تضامنت العديد من الصفحات التونسية يوم أمس مع أبنائنا تلاميذ الباكالوريا الذين يشرعون في أول الامتحانات في ظل حالة احتقان اجتماعي وسياسي بين اتحاد الشغل والحكومة، وترفع العديد من الناشطين التونسيين عن معاركهم السياسية قليلا ليتمنوا النجاح لأبنائنا. في الحقيقة، لم تغب المعارك السياسية التقليدية عن الصفحات التونسية في الموقع الاجتماعي، وقد شغل إضراب مدينة جندوبة يوم أمس العديد من ناشطي التيارات السياسية المنقسمين تقليديا بين النهضة وأنصارها من جهة واليسار وأنصاره واتحاد الشغل من جهة أخرى، وتضاربت المعلومات والأخبار، حيث يذكر أنصار الاتحاد أن الإضراب نجح بنسبة 80 بالمائة وأن أنصار النهضة وحتى السلفيين يهددون التجار ويجبرونهم على فتح محلاتهم وكسر الإضراب، وفي المقابل، ينشر أنصار النهضة والحكومة صورا ومقاطع فيديو يقولون إنها لبعض أحياء المدينة حيث تسير الحياة عادية بنسق طبيعي دون علامات إضراب.
بالتوازي مع ذلك، نشرت صفحات كثيرة لأساتذة من التعليم الثانوي من عدة جهات عدة صور وتصميمات فنية تشجع أبناءنا من تلاميذ الباكالوريا وتشد من أزرهم، مع تمنيات طيبة بأفضل الظروف في الامتحانات. ونشر نقابي من التعليم الثانوي في صفحته بطاقة جميلة تتضمن رجاء بالنجاح لجميع تلاميذنا قال إنها أفضل رد على من يتهمون نقابيي التعليم الثانوي بأنهم يريدون إفساد السنة الدراسية بالدعوة إلى الإضرابات المستمرة وبالتصعيد ضد الحكومة. وبصفة عامة، امتلأت صفحات الأساتذة وهم من أهم رواد الموقع الاجتماعي بعبارات التشجيع لتلاميذنا، مع نشر عدة نصائح ثمينة لطريقة التصرف في الامتحان وتقسيم الوقت وفهم الأسئلة وما إلى ذلك مما يفهمه السادة الأساتذة جيدا. والجميل في مثل هذه التعاليق هي خلوها تقريبا من التوظيف السياسي الذي تعودنا عليه في أغلب صفحات الناشطين السياسيين التونسيين.
لاحظنا أيضا أن أغلب صفحات تلاميذ الباكالوريا في الموقع الاجتماعي قد نشرت إعلانات عن تعليق النشاط مؤقتا والتفرغ للامتحانات مع عبارات «ربي يستر» أو «ربي معانا»، حتى أن شابا من ضاحية الوردية جنوب العاصمة كتب ساخرا: «نحن جماعة الباكالوريا ما نعرفوا ربي كان في الامتحان، نعدوا العام ساهرين قدام فايسبوك»، أو ما كتبته شابة من المرسى: «أمام امتحان الفلسفة، أصبحنا كلنا مؤمنين وحتى سلفيين من الخوف». أعلنت أيضا العديد من صفحات الشباب التوقف عن «التنبير» اليومي الذي يمارسونه عادة بالإضافة إلى الكم الكبير من الصور الطريفة ومقاطع الفيديو الغريبة التي لا أحد يعرف كيف يعثرون عليها وينشرونها في صفحاتهم.
يسري نوع من الإجماع في الصفحات التونسية على مساندة تلاميذ الباكالوريا في مثل هذه الأيام الحساسة خصوصا داخل البلاد في جهات ما تزال تعيش أوضاعا اجتماعية وأمنية صعبة مثل ولايات غرب البلاد من جندوبة إلى قفصة، وقد لاحظنا امتناعا كاملا بين الناشطين السياسيين عن أي توظيف سياسي للامتحانات. غير أن التونسيين لا يقدرون على الامتناع عن ممارسة العراك السياسي الذي أصبح الرياضة الوطنية الأولى في تونس، خصوصا في ظل الأخبار المتضاربة عن نسبة نجاح إضراب ولاية جندوبة، وبداية مناوشات بين النقابيين وبعض أنصار النهضة، ثم ظهور أخبار جديدة عن توتر اجتماعي آخر في ولايات أخرى في الجنوب، تطالب هي بدورها بمراجعة الميزانية التكميلية. هكذا هي تونس: لقد أدمنا أخبار الإضرابات والإضطرابات حتى لم تعد تثير فينا أي شيء.