تعاني عدة مناطق بالساحل والجنوب أهمها صفاقس والمهدية من خلل كبير في توزيع المياه الصالحة للشرب، مما جعل «الصوناد» تدعو المتساكنين الى ترشيد استهلاك مياه الحنفية لتجاوز هذه الأزمة. المثير للاستغراب أن هذا العام يتميز بأمطار غزيرة وفيضانات جعلت المائدة المائية والسدود تخزن منسوبا عاليا للمياه يكفي البلاد حسب المسؤولين 3 و4 سنوات أخرى. هذه المفارقة جعلتنا نتحدث الى الرئيس المدير العام للشركة الوطنية لاستغلال وتوزيع المياه السيد الهادي بالحاج عن مشاريع تحلية المياه ومخزون تونس من مياه الأمطار وعن السبب الحقيقي وراء خلل تزويد عدة مدن تونسية بالمياه الصالحة للشرب.
مشكل في نقل المياه
في البداية ذكر رئيس مدير عام الصوناد «السيد الهادي بالحاج» أن السدود والمائدة المائية في الشمال لها مخزون كاف يصل الى 3 و4 سنوات أخرى. لكن هذه المياه تنقل عبر قنوات اما للاستهلاك في المجال الفلاحي أو لشبكة مياه الشرب التابعة ل«الصوناد» وقد تم رصد ضغط كبير للاستهلاك في مياه الشرب على مستوى محطة قبلي هذا الضغط وذروة الاستهلاك تسببا في نقص تزويد صفاقس بالمياه باعتبارها موجودة في آخر الشبكة، فقامت الشركة بتقليص تزويدها للقطاع الفلاحي من الماء وتوجيهه لحرفاء الصوناد قصد تمكين منطقة صفاقس من تزويد عادي ذلك أن النقص المرصود في حدود 10 آلاف م3 يوميا.
زيادة ب10%
ويواصل الرئيس المدير العام وصف ما حدث في نهاية الأسبوع الماضي اذ اتسم الطقس بارتفاع في درجات الحرارة بالاضافة الى نتائج الباكالوريا وارتفاع الاقبال على استهلاك الماء (ذبائح واحتفالات) مما تسبب في استهلاك مفرط للماء الصالح للشراب في ولاية صفاقس الذي ارتفع فيها الاستهلاك ب10 آلاف م3 يوميا (10%) عن الاستهلاك العادي.
وتزامنت هذه الزيادة المفرطة في استهلاك مياه الحنفية مع عطب طرأ في الآبار العميقة بجلمة (آلة قطعت التوصيلة الكهربائية بالبئر) مما انجر عنه توقف التزود من هذه البئر بنحو 22 ألف م3.
وأضاف مصدرنا أن «الستاغ» أصلحت الربط الكهربائي خلال 4 ساعات لكن في الاثناء تواصل استهلاك المياه، مما جعل الشبكة في حاجة الى اعادة تخزين مياه جديدة.
نقص الخزن
سألنا مصدرنا عن وجود خزانات مياه للطوارئ فأجاب بأن الوضعية الحالية بصفاقس تتمثل في وجود خزانات تمكن من تخزين 60 ألف م3 يتم الالتجاء اليها عند وجود عطب أو في الحالات الاستثنائية للاستهلاك المفرط وقد تمّ استهلاك هذا المخزون خلال حصول عطب في بئر جلمة وحاليا هذه الخزّانات تمّ استنزافها ولا يتوفر بها سوى ما قدره 10 آلاف م3 ولاحظ أن هذه الخزانات غير كافية لوحدها لسدّ الحاجيات من المياه للمنطقة. ارتفاع في حرارة الطقس
وأضاف مصدرنا أن الخطر يتمثل في أن التوقعات الجوية تشير الى ارتفاع حرارة الطقس في نهاية الأسبوع والمخزون من المياه بدوره ضعيف حاليا. لذلك نتوقع كشركة توزيع مياه أن يكون هناك نقص على مستوى التزويد بالمياه خلال الأيام القادمة وقد قمنا بإعداد بلاغ سينشر للعموم قريبا يوضح المشكل حتى يتفهمنا الحرفاء ونتعاون في ترشيد استهلاك المياه إلى أن نتجاوز النقص. فالمشكل الحالي هو أن الطلب على الماء الصالح للشراب فاق طاقة نقل المياه.
الدرجة القصوى
ولاحظ مصدرنا أن محطة «كركر» تعمل 24 ساعة على 24 وتضخ بقوتها الكبرى المتمثلة في 1180ل/ثانية يوجه 600ل/ث الى صفاقس و450 ل/ث إلى المهدية و120ل/ث لأحواز صفاقس والمهدية (الجم الحنشة الغرابة) وهي أول مرة تشتغل فيها المحطة بهذا الجهد ودون انقطاع.
المشاريع الكبرى
لكن زيادة استهلاك التونسي للماء صيفا لا يعتبر مسألة جديدة والشركة تتوقع ذلك كل سنة. لذلك بحثنا مع الرئيس المدير العام عن السبب الحقيقي وراء هذا النقص في التزود بالمياه فأجاب بأن السبب يعود الى اخلالات في انجاز المشاريع الكبرى التي كانت مبرمجة في الجنوب وأم العرايس وقفصة وجربة.
كان مبرمجا أن تدخل محطة تحلية مياه البحر بجربة حيز التنفيذ في 2011، لكن كان مبرمجا أن ينفذها صخر الماطري فتم إلغاء تلك اللزمة واقرار أن تقوم «الصوناد» بالمشروع، لكن الشركة ليس لها تمويلات، وقد تمّ اعلان طلب عروض للحصول على تمويل وتحديد المقاول الذي سينفذ المشروع.
وفي الخط الساحلي كان مبرمجا انجاز خزان في القلعة الكبرى بطاقة تتجاوز 26 مليون م3 تنقل منه المياه الى صفاقس وقد انتهت دراسة هذا المشروع وبلغ مرحلة البحث عن تمويل ويستغرق المشروع عامين أو ثلاثة للانتهاء من انجازه.
آبار جديدة
لكن في الأثناء بحثت «الصوناد» عن حلول عاجلة للتزود بالمياه قبل انجاز المشاريع الكبرى وتتمثل الحلول في ايجاد آبار جديدة في المائدة الموجودة بين كركر وصفاقس والمناطق الموجودة بين وادي مجردة وسيدي بوزيد وصفاقس وذلك لضخ الماء الى صفاقس (بمعدل 10 الى 15 ألف م3) وذلك لتلافي النقص الحاصل بها حاليا والشركة في انتظار الحصول على تراخيص استثنائية من الجهات المختصّة لاحداث هذه الآبار وبعد انجاز المشاريع الكبرى سيتم غلق هذه الآبار. تحلية المياه...
نسمع منذ سنوات عن تحلية المياه فأين وصلت هذه المشاريع؟ عن هذا السؤال أجاب المسؤول بأن تونس كانت من الدول الأولى التي انجزت مشاريع تحلية المياه الجوفية المالحة ففي 83 أنجزت مشروعا بقرقنة ثم آخر بقابس وفي التسعينات محطة تحلية مياه مالحة في جربة وجرجيس، وقد تم استنزافها صحيح أنه سيتم الاحتفاظ بها لكن ينتظر ان يتم التعويل على أول مشروع لتحلية مياه البحر في تونس المزمع انجازه في جربة رغم أن كلفة تحلية مياه البحر سترتفع لتصل الى ما يناهز دينارين بدل 1200مي لتحلية المياه الجوفية عن اللتر الواحد.
للأسف تأخر انجاز هذا المشروع الذي كان مبرمجا الانتهاء منه في 2012، ويؤمل أن يكون جاهزا في نهاية 2013. كما يتم اعداد الدراسات لانجاز مشروعين لتحلية مياه البحر في صفاقس وقرقنة وقابس وسينتهي المشروع في صفاقس خلال سنة أو سنة ونصف بتمويل ياباني أو ألماني حسب ما سيتم الاتفاق عليه.
10 محطات
كما ستنجز قريبا 10 محطات لتحلية المياه الجوفية المالحة في الجنوب الغربي مثل قبلي ودوز والفوار... وسيتكفل الصندوق الألماني للتنمية بالأشغال وينتظر ان ينتهي الانجاز في موفى السنة الحالية (مدة الأشغال عام).
الطاقات البديلة
لكن لماذا لا يتم الاعتماد على الطاقة الشمسية أو النووية في محطات تحلية البحر على غرار دول عديدة منها الخليجية؟ عن هذا السؤال أجاب السيد الهادي بالحاج أنه يتم الاعتماد على الطاقة الكهربائية في هذه المشاريع وهي طاقة ملوثة وباهظة لكن ليس من السهل اعتماد الطاقات البديلة. ولاحظ ان أول محطة تحلية تشتغل بالتناصف بين الطاقة الشمسية والكهربائية تم احداثها ببن قردان ممولة من صندوق التعاون الياباني بهبة تصل الى 20 مليون دينار. ويتم التفكير في المستقبل في اعتماد الطاقة الشمسية وطاقة الرياح لكنها تتطلب امكانيات كبيرة ومساحة شاسعة الى جانب أنها مكلفة جدا... ولكن بلادنا تسعى لاعتمادها. لكن في مجال الطاقة النووية واعتمادها في تحلية المياه فإن المسألة تتجاز حسب مصدرنا شركة «الصوناد» والقرار ليس بيدها. لكن رغم كل هذه الصعوبات فإنه لا خوف على تونس من العطش حسب مصدرنا فالمشاريع الكبرى آتية... هادية الشاهد المسيهلي