أثارت طريقة تسليم المحمودي الى السلطات الليبية جدلا سياسيا وقانونيا حادا داخل الترويكا الحزبية وكذلك جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية في الوقت الذي كان فيه متاحا للرئاسة أو الحكومة أو كتل السلطة التأسيسية مخارج قانونية مشرفة لتسليم أو عدم تسليم المحمودي لعل أهمها قرارات مجلس الأمن بشأن الأزمة الليبية أو اللجوء الى السلطة التأسيسية. أما قرارات مجلس الأمن كمخرج أول فكان بالامكان الاحتكام الى قراره رقم 1970 الصادر في 26 فيفري 2011 وخاصة فقرته الرابعة التي استوعبها القرار رقم 1973 الصادر في 17 مارس 2011 والتي أقرت باحالة الوضع في ليبيا الى المحكمة الجنائية الدولية وهنا كان بامكان السلطات التونسية أن تعتمد على المادة 25 من ميثاق منظمة الأممالمتحدة التي توجب على الدول تطبيق قرارات مجلس الامن وتقوم بتسليم المحمودي الى المحكمة الجنائية الدولية وهي بذلك قد حافظت على نفس المسافة بين الشق طالب التسليم في ليبيا والشق الرافض متفادية أي ردود فعل سلبية في حالتي التسليم أو عدم التسليم الى السلطات الليبية ناهيك عن تجاوز الجدل الحاد في تونس حول الجهة التي يعود لها قرار التسليم خاصة وأن الاطار الزمني يساعد على ذلك بما أن الجنائية الدولية تطالب بسيف الاسلام اعتمادا على تلك القرارات الصادرة عن مجلس الأمن وبما أن هذا لم يقع فانه بالامكان الاعتماد على المخرج الثاني ألا وهو اللجوء الى المجلس التأسيسي.
أما المجلس التأسيسي كمخرج ثاني للأزمة فكان بالامكان للكتل التي داخله أو الرئاسة أو الحكومة اللجوء اليه لتحديد موقفه من المسائل التالية: أولا هل يجب تسليم البغدادي أم لا؟
ثانيا اذا كان يجب التسليم فمن هي الجهة التي سيقع لها التسليم السلطات الليبية أم المحكمة الجنائية الدولية؟ ثالثا اذا أقر أن التسليم سيقع للسلطات الليبية فهل سيقع الآن أم بعد انتخاب حكومة شرعية وهل الوضع الحالي في ليبيا والضمانات التي أتت بها اللجنة التونسية ضمانات فعلية لمحاكمة عادلة وحقوقية؟ رابعا اذا أقر أن التسليم سيكون الآن فمن هي الجهة المختصة بالتسليم الحكومة أم رئاسة الجمهورية وهل أساس التسليم الفصل 324 من مجلة الاجراءات الجزائية أم الفصل 11 من القانون المنظم للسلط العمومية؟
لكن جميع تلك المخارج لم يقع اعتمادها فكان التسليم مشبوها ومحدثا لأزمة ثقة بين التحالف وردود فعل متباينة وانتقادات داخلية وخارجية وأضرار قد تلحق بالتونسيين خارج تراب الجمهورية وصمت واضح من السلطة التأسيسية التي راقبت الجدل الدائر حتى حدوث أزمة التسليم حتى أننا بدأنا نلاحظ بوضوح اقتناع السلطة التأسيسية بأن السلطة السياسية الممثلة للأغلبية داخلها هي التي أصبحت تعبر عن الارادة الشعبية وهذا نتيجة حتمية لتغليب النائب لانتماءاته الحزبية على انتاءاته التأسيسية وهو من أهم نتائج تعيين السلطة السياسية من داخل السلطة التأسيسية حيث تفلت الأولى من أية رقابة حقيقية. ختاما المحمودي في ذمة المجهول والجدل حوله في تونس سيطول والتباعد بين الرئاسة والحكومة قد يطول أما آثار ذاك التسليم فهي مبنية للمجهول.