ينطلق غدا المؤتمر التاسع لحركة النهضة، وهو المؤتمر العلني الأوّل بعد سلسلة من المؤتمرات السريّة وفي المهجر. ويضع المتابعون أهميّة كبرى لهذا المؤتمر بل ويعتبرونه حدثا وطنيّا بارزا سيشدّ إليه أنظار السياسيين والمفكرين لما سيتضمّنه من قراءات في المرجعيات الفكريّة والخيارات الإستراتيجية والتوجهّات السياسيّة لحركة أصبح لها وزن في تشكيل الحياة التونسيّة بعد ثورة 14 جانفي وفي رسم ملامحها المستقبليّة بعد أن أفرزت أوّل انتخابات ديمقراطيّة وشفّافة الوزن الشعبي والسياسي لهذه الحركة الّتي تضطلع اليوم بالقسط الأكبر من إدارة شؤون البلاد. «الشروق» وتفاعلا منها مع هذا الحدث تخصّص هذه المساحة للتعريف بنشأة حركة النهضة وبمختلف الأطوار التي مرّت بها والمؤتمرات الّتي عقدتها إلى جانب تقديم المرجعية الفكريّة التي تعتمدها إلى جانب قراءة في الخيارات الاستراتيجيّة والتوجّهات السياسيّة التي تعتزم الحركة الالتزام والتقيّد بها مباشرة إثر مؤتمرها التاسع. وقد اعتمدت «الشروق» في هذا التقديم على الأدبيات الأساسيّة لحركة النهضة المنشورة باسمها أو على مواقعها الالكترونيّة الرسميّة.
المرجعية الفكرية لحركة النهضة
تذهبُ أدبيات حركة النهضة إلى التأكيد على أنّ العقيدة الإسلامية هي «القاعدة المركزية في التفكير الإسلامي، التي إليها يعود تحديد المواقف والرؤى إزاء قضايا الوجود عموما والوجود الإنساني بصفة خاصة. وترى أن أي عمل تغييري نحو الأفضل، وأي منهاج للحياة، يجب أن ينبثق عن جملة تصورات واضحة لمنزلة الإنسان ووظيفته في هذا الوجود وعلاقاته ببقية عناصر الكون، لأن هذا المعنى به ترتبط كل الحياة.
لذلك فان المرجعية الإسلامية تعد الإطار الفكري الذي يحكم سياق المواقف والمسالك والآراء داخل حركة النهضة. ويعني الالتزام بهذه المرجعية الانطلاق من منظومة التصورات والأصول الإسلاميّة والبحث في كلّ مسألة عن حكم نابع منها سواء ما كان بنصّ أو وفق اجتهادات متعددة.
ولقد حددت الرؤية الفكرية التي صادق عليها مؤتمر 1986، الأسس العقدية للحركة ومنهجها الأصولي استجابة لحاجة واقعية آنذاك متمثلة في الصراع الفكري والإيديولوجي والرغبة في تأصيل تصورات الحركة ومناهج عملها.
وبعد ربع قرن، وأمام حسم معركة الهوية في البلاد وإطلاق الحريات وظهور تحديات جديدة ترى قيادة الحركة الحالية أنّه صار لزاما العودة إلى هذه الوثيقة التأسيسية تثبيتا وتطويرا بمناسبة انعقاد المؤتمر التاسع.
منهج الفهم
إن حركة النهضة «وانطلاقا من التزامها بمبادئ الإسلام في عملية إحداث التغيير الاجتماعي الشامل، تعتمد في إطار تعاملها مع نصوص الوحي من الأصول والقواعد ما يلبي احتياجات الحياة المتجددة، تحقيقا لمصلحة الإنسان دون إهدار أو تعطيل لنصوص الكتاب والسنة، ودون إلغاء لدور العقل في فهمها وتنزيلها في واقع الحياة. ونحن إذ نعتمد المرجعية الإسلاميّة فإننا لا ندّعي يوما احتكارها كمرجعيّة في فكرنا أو كصفة لنا. وكوْن الإسلام مرجعية لنا لا يحمل أيّ معنى استئثاري او إقصائي أو تكفيري، فالإسلام مورد متاح للجميع ولا يحق لجهة رسمية أو مجتمعية أن تستأثر به أو أن تحرم أي طرف من تبني هذه المرجعية واعتمادها أساسا لآرائه باعتبار الإسلام المرتكز الأساسي في هوية المجتمع».
شمول الإسلام
فهم حركة النهضة للإسلام يعتمد على الإيمان بأن أحكام الإسلام تشمل مناحي الحياة كلّها وتغطي بالبيان كل ما يتعلّق بالإنسان من تصوّر وعمل «بحيث لا يبقى من الحياة شيء إلاّ والتعاليم الإلهيّة لها فيه بيان وتوجيه». والشمول يعني الموضوع والإنسان والزمان والمكان فالإسلام كما تفهمه الحركة يشمل في الموضوع شؤون الدين والدنيا والآخرة، ويشمل المكان والزمان لأنه يعبّر عن الكلمة النهائيّة للوحي السماوي وللحضارة الإنسانيّة، ويشمل الإنسان لأنّه يخاطب البشريّة كافّة وهو يخاطب الفطرة «التي فطر الناس عليها».
فالمشروع الذي تدعو إليه الحركة مشروع جامع بكل أبعاده الحضارية والسياسية والدين له مكانته ودوره المركزي في رسم معالم الدولة والنّظم التربويّة والثّقافيّة والاقتصاديّة والعلاقات الدّوليّة وفي تنظيم شبكة العلاقات القانونية والاجتماعيّة وضبط التّشريعات المنظّمة للحياة وإيجاد الحلول المناسبة لمشكلات الواقع المتغيّر. التأصيل والتجديد
تعتبرُ حركة النهضة الباب مفتوحا للتطوير والإضافة في منهج الفهم جمعا بين الجذور الإيمانيّة والنصوص الدينية من جهة وموجبات المعاصرة والمشاركة الحضاريّة من جهة ثانية بأفق رحب يفرّق بين المصادر الأصليّة في مراتبها وبين الفقه الموروث وتطبيقاته المتلبسة بظروف الزمان والمكان بما يميط عن الإسلام ما علاه من ركام الانحطاط والبدع وإحياء الاجتهاد وفتح أبوابه التي غلقها التقليد والانحطاط. وما الحركة الإسلاميّة بتونس في أهم مقوّم لها إلاّ هذا التجديد للدين وإعادة الوصل بينه وبين مجرى الحياة المتدفق فكرا وثقافة.
الوسطية والبعد المقاصدي
ترى أدبيات حركة النهضة أنّ الوسطية تمثل أهم خصائص منهج التعامل مع النصوص ومع الإنسان بأبعاده الكاملة ومع المجتمع بمختلف مكوناته. وهي منهج في النظر ومنهج في العمل الحركي والسياسي بما تعنيه من اعتدال وتدرج ومرونة ونسبيّة وانفتاح وواقعيّة. فالوسطيّة ليست منزلة بين المنزلتين بل هي نقيض الغلو المنتشر اليوم، وضد التفريط والانحلال السائد، وهي منهج يلتزم بمحكمات الشرع ويراعي مقتضيات العصر والواقع المتغيّر. وتيار الوسطيّة اليوم يعني تأكيد الثوابت الإسلاميّة وتكاملية المشروع الإسلامي ضدّ التجزئة بما يعني الشمول والاتزان والعمق وفقه الواقع والسنن الكونية. واعتماد فقه مقاصد الشريعة الإسلاميّة من حيث التمييز بين المقاصد والوسائل المتغيّرة والتمييز بين الالتفات إلى المعاني في المعاملات والتقيد بالأشكال في العبادات. واعتماد فقه الأولويات من حيث العلم بمراتب الأحكام الشرعيّة والفقه بالضوابط التي يتمّ بناء الترجيح عليها في حالات التزاحم. والفقه بالواقع وفقه الموازنات بين المصالح والمفاسد وبين رتب المصالح التي تقتضيها المرحلة التاريخيّة. واعتبار مآلات الأفعال ونتائج التصرّفات.
الانفتاح والتحديث
يعتمدُ منهج حركة النهضة ضمن أسسه ما توصّل إليه العقل الإنساني من معارف وحقائق وما توصلت إليه البشريّة من مكاسب بهدي من العقول السليمة ، فإن الحركة لا ترى فصلا بين مسار الوحي بما يعنيه من أحكام ومقاصد وقيم ومسار التاريخ والإنسان بما يعنيه من مكاسب وإضافات حضاريّة نافعة، والحكمة ضالّة المؤمن يأخذها أينما وجدها. فكل طرق استخراج العدل والقسط هي من الدين، وهذا ما جعل الإسلام دعوة للانفتاح على العالم لأنّه يلغي الحدود الفاصلة بين الناس والحضارات ليدشّن الخطوة التاريخيّة نحو وحدة الإنسانيّة. ذلك أن الإسلام يستوعب الأفكار المتأتية من ينابيع مختلفة في نسق توحيدي يغتني مع مرور الزمن ويصبح صرحا عضويا في حضارة الإسلام. بل إن طبيعة الإسلام وريث رسالات الكلمة النهائية للوحي وختم النبوة تقتضي الاعتماد على مكاسب العقل ومنجزات البشرية لتحقيق الكمال، فالاقتباس والانفتاح والأخذ بالحكمة منهج ثابت في أصل الإسلام.
الندوات الفكرية على هامش المؤتمر التاسع لحركة النهضة
الجمعة 13 جويلية 2012 على الساعة 10 صباحا المقهى الثقافي الأول: قراءات في واقع الربيع العربي يؤثثه ثلة من المفكرين من الوطن العربي، أبو يعرب المرزوقي، محمد عمارة، عبد الوهاب الأفندي، منير شفيق,...وتتناول بالأساس:
تأثير الربيع العربي في المشهد الدولي العام مقاربة لرؤية الغرب للثورات العربية في دلالة لشعارات الثورة المقهى الثقافي الثاني: سبل التنشئة السليمة للطفل الجمعة 13 جويلية 2012 على الساعة 17 و 30 دقيقة مع زينب عبروق، مصدق جبنون، أسماء بالطالب، حمد الأبيض،... يقع من خلالها تسليط الضوء على: أهمية الحوار داخل الأسرة العنف بين الأزواج وأثره على الناشئة التغذية المتوازنة للطفل المقهى الثقافي الثالث: أسباب تدهور المشهد الرياضي التونسي السبت 14 جويلية 2012 على الساعة 10 صباحا طارق ذياب، طارق ثابت، خالد بن يحي، أحمد الجويلي،.... يتناول هذا الموضوع ثلة من رجال الاختصاص لتبيان: العنف في الرياضة هل هو سبب أم نتيجة؟ التمويل الرياضي الرياضة التونسية من الهواية إلى الاحتراف المقهى الثقافي الرابع: الحركة الإسلامية ومسيرة التغيير السبت 15 جويلية 2012 على الساعة 17 و 30 دقيقة يؤثث المداخلات فيها رموز من الحركات الإسلامية العربية، راشد الغنوشي، صدر الدين البيانوني، عبد الوهاب الأفندي، صلاح الدين الجورشي. وتتناول: الحركة الإسلامية من التأسيس إلى التمكين الحركة الإسلامية وتجربة السلطة آفاق التجربة الإسلامية في الحكم المقهى الثقافي الخامس: الثورة والفن الأحد 15 جويلية 2012 على الساعة 10 صباحا يؤثثه مجموعة من الأكاديميين من أهل الاختصاص، محمد مسعود ادريس, محمد مؤمن، نديرا راضي. صالح الجدي، حسن محنوش، المنصف البلدي، غازي العيادي،.... وتتناول بالأساس: موقع الفن في الثورات الهوية الفن بين الحداثة والثورية تأصيل الفن في الواقع العربي المقهى الثقافي السادس: الإعلام العمومي والإعلام الحكومي الأحد 15 جويلية 2012 على الساعة 17 و 30 دقيقة يحضرها كل من عدنان منصر، لطفي زيتون، الحبيب نصرة، رفيق عمارة،... وفيها حوار حول: علاقة الإعلام العمومي بالإعلام الخاص مفهوم الإعلام العمومي الإعلام الحكومي الهيئة التعديلية وسبل تقويم المسار الإعلامي