من يحدّد خارطة طريق عمل المجلس التأسيسي والمواعيد المهمة لإرساء المؤسسات اللازمة لإدارة مرحلة الانتقال الديمقراطي وخصوصا الهيئات المشرفة على قطاعي القضاء والإعلام وهيئة الانتخابات؟ رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر أعلن قبل أيام أن الهيئة المؤقتة للإشراف على القضاء العدلي ستكون جاهزة الأسبوع القادم وأن المشاورات حول إنشاء الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ستكتمل قبل العطلة النيابية في أوت القادم، كما حدّد بن جعفر في وقت سابق موعد 23 أكتوبر 2012 للفراغ من إعداد الدستور الجديد وموعد 20 مارس أو 9 أفريل 2013 لإجراء الانتخابات.
وقد بعثت هذه المواعيد برسائل طمأنة إلى التونسيين بأن هناك خطة عمل واضحة وخارطة طريق يتبعها المجلس للوصول إلى إنجاز كل ما هو مطالب به في الوقت المحدّد، لكن عددا من نواب التأسيسي اعتبروا أن اختيار هذه المواعيد كان باجتهاد شخصي من رئيس المجلس الذي لم يجر المشاورات اللازمة مع مختلف الكتل لضبط روزنامة عمل المجلس كما يقتضي العمل الجماعي حسب آرائهم.
وعلّق عضو المجلس التأسيسي عن الكتلة الديمقراطية أحمد نجيب الشابي على ذلك بالقول «علمت بهذه الروزنامة من وسائل الإعلام ولست أدري إن كان ذلك تقصيرا من رئيس الكتلة أم تجاوزا من رئيس المجلس الذي لم يستشر الكتل النيابية».
وأضاف الشابي «ما يقلقني أن عمل المجلس يتم بظاهرتين متضاربتين، فنحن نضيع وقتا طويلا لا نتناول فيه المواضيع الحساسة مثل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات أو هيئة الإعلام، وفي الوقت ذاته تُعرض علينا المشاريع بشكل مستعجل ونُحرم من مناقشتها، وهذا الأسلوب غير سليم لأن هذه القضايا كان ينبغي أن تكون ذات أولوية منذ شهرين وتُطرح على الجلسة العامة».
وقال النائب عن كتلة التكتل أحمد الخصخوصي إن الأصل والمبدأ في أي عمل جماعي أن يقع فيه التشاور مسبقا وذلك لاعتبارين مبدئي وعملي، فأما المبدئي فهو أن جميع الأطراف معنيّة بأي قضية مصيرية أو أقل حتى من المصيرية، وعمليا هو أن تجتمع الآراء وتتلاقح وتتكامل وتتآلف لتنتج مشروعا أو رؤية أقرب ما يكون إلى الواقعية وكذلك إلى النجاعة، باعتبار ان هذه المسائل تُلزم مختلف الاطراف وتطرح قضية من القضايا الوطنية التي يجب أن تكون محل تشاور وتوافق على أوسع نطاق ممكن وهذا أمر مطلوب لأن المصلحة الوطنية تقتضي ذلك ولأن العمل التوافقي يتطلّبه.
وأبدى النائب عن كتلة المؤتمر الطاهر هميلة استياءه واستغرابه لما اعتبره «ولع السيد رئيس المجلس بتحديد المواعيد الدقيقة والمضبوطة دون تشاور ودون الرجوع إلى مؤسسات المجلس» معتبرا أن ذلك يعني «أننا في المجتمع التونسي سلطة ومؤسسات لم نخرج بعد من عقلية التجمع المنحلّ، التي تقوم أصلا على الموافقة دون الاطلاع على ما تمت الموافقة عليه، وعقلية رئيس التجمع والدولة الذي يقرّر ويأمر دون التثبت في المواعيد التي يضبطها وإمكانية الوفاء بها، وهو النشاط الاعتباطي الذي لا أصل للعقلانية فيه».
وأضاف هميلة «كيف يتحدث بن جعفر عن موعد 26 أوت كتاريخ لاستكمال المشاورات والنقاش لإنشاء هيئة عليا مستقلة للانتخابات والحال أن المجلس في فترة عطلة من 6 إلى 26 أوت القادم فلا ندري إن كان المجلس سيُعطل وهو يشتغل أم أننا سنشتغل ونحن في عطلة»؟
وعلق النائب عن كتلة العريضة الشعبية أيمن الزواغي بأنّ «رئيس المجلس لم يخرج عن العادات التي أصبحت تحرك «الترويكا» وهي القرارات الارتجالية غير المسؤولة، التي لا تكون نتيجة استشارات مع الشركاء في الوطن».
وأكّد الزواغي أن بن جعفر لم يستشر أي كتلة أو تيار سياسي لمّا أعلن عن موعد إنشاء هيئة الانتخابات، مضيفا «ما نلاحظه أنه رغم أن هناك نية في الإسراع في عمل المجلس فإن هناك أيضا تعطيلا للقانون المنظم لهذه الهيئة، لأنها كانت من الأولويات ومن القضايا المستعجلة في البلاد لأن الشعب التونسي يريد دستورا ديمقراطيا ينظم انتخابات حرّة ونزيهة ومن مقومات هذه الانتخابات هيئة مستقلة».
وتابع الزواغي قوله «رغم كل ذلك يبدو هذا الموعد معقولا لأن الهيئة تحتاج حسب الخبراء إلى أكثر من ثمانية أشهر حتى تنظّم أول عملية انتخابية في تونس».