على ضوء الشموع والفوانيس التي أنارت المسرح الأثري بالجم وسط جمهور غفير غصّت به مدرجات المسرح الروماني، وبحضور الدكتور المنصف المرزوقي رئيس الجمهورية المؤقت انطلقت سهرة الفنان الكبير مرسال خليفة في أجواء رومانسية حالمة. منذ الساعة الثامنة ليلا كان مرسال خليفة وفرقته فوق خشبة مسرح الجم يقوم ببروفاته قبل الدخول في الأجواء الجدية، ولم يغادر الركح إلا قبل دقائق من بداية العرض، وبذلك أثبت هذا المبدع أنه فنان كبير يحترم جمهوره ويعشق فنه.
في بداية السهرة قال مرسال على إيقاع عوده بكل فرح وغبطة أتيت إلى تونس الثورة لأقول لكم شكرا لأنكم عملتم ثورة.. شكرا سيادة الرئيس إنك هنا اليوم.. ثم غنى مع الجمهور الغفير والذواق أغنية الكمنجات وغنى معه الجمهور مرددا: «الكمنجات تبكي على وطن ضائع لا يعود»، ليفسح المجال إلى رفيقته الفنانة الساحرة أميمة خليل التي قدمت أغنية جديدة عنوانها «محمد» قال عنها مارسال هي هدية إلى كل الأطفال الذين يسقطون فوق تربة نظيفة، ودعا إلى صمت يشبه صمت «القبور» فكان صمت القصور.. صمت أضفى على المسرح هالة رهيبة.. لتشدو أميمة على إيقاع عود الإمبراطور مارسال «محمد يريد الرجوع إلى البيت من دون دراجة فوق قميص الجليد، يريد الذهاب إلى المقعد المدرسي إلى دفتر الصرف والنحو خذني إلى بيتنا يا أبي كي أعدّ دروسي وأكمل عمري رويدا رويدا على شاطئ البحر.. تحت النخيل»، تلتها أغنيته الشهيرة «منتصب القامة أمشي مرفوع الهامة أمشي في كفي قصة زيتون وعلى كتفي نعشي» فتفاعل جمهور الجم طربا وانتشى فنا. انهض يا ثائر
كما لم ينس مارسال الثائر أن يهدي لثورة تونس أغنية «انهض يا ثائر» نالت استحسان الجمهور، ثم غنى للحب من خلال قصيدة رفيق دربه الشاعر محمود درويش «عيناها»، ليختتم سهرته بأغنية «يا بحرية» على إيقاع الطبلة والدبكة اللبنانية.
قدم مارسال خليفة سمفونية عربية رائعة جمعت بين عذوبة الكلمة الجادة والهادفة وجمال اللحن الساحر ورقة وجمال الصوت.. غنى للوطن.. للثورة.. لسجناء الرأي.. للحرية.. للمحبة.. لبراءة الطفولة... فكانت سهرة تاريخية بكل المقاييس وفي نهاية السهرة كرّم مدير مهرجان الجم الدولي للموسيقى السمفونية السيد بديع شعبان الفنان مارسال خليفة وكافة عناصر فرقته.