ابتدائية «غرة جوان» هي مدرسة لا ككل المدارس، أولا باعتبارها تقع في أقصى ريف مدينة المهدية وتحديدا بقرية «الكراعيد» من عمادة «منزل حشاد» التابعة لمعتمدية «هبيرة» والتي تبعد عن ولاية المهدية قرابة المائة كلم، وثانيا باعتبار البنية التحتية المهترئة لهذه المدرسة. المدرسة التي تتكون من ثلاثة أقسام وقاعة للمدير ومطبخ ووحدة صحيّة هي بالأساس بناية لا تصلح بأي حال لا للتدريس ولا للطبخ ولا للعب التلاميذ في باحتها. حين تحولنا إلى المدرسة استقبلنا التلاميذ ببراءتهم ورحابة صدورهم الموروثة عن أهلهم الكرماء والطيبين، ولكن في عيونهم ما يظهر أن البؤس جاثم على صدورهم الصغيرة. الأولياء كانوا أقرب لأطفالهم ولمدرستهم التي يعتبرونها الفضاء الوحيد للتعليم وللترفيه وللتربية.
تجولنا في ساحة المدرسة المسيّجة بسور لا يزيد ارتفاعه عن النصف متر وفي بعض جهاته تداعى إلى السقوط، ولم يعد بمقدوره أن يستر أرجل التلاميذ الصغيرة التي اهترأت بسبب الأميال التي يقطعونها للوصول إلى المدرسة، وبسبب الأرضية الترابية لهذه المؤسسة.
الأقسام الثلاثة أوشكت أن تنفض طلاء جدرانها لولا الصور والأوراق الكثيرة التي تغطيها ودون ترتيب أو ذوق أو حتى بيداغوجيا، ولا شيء يستر تعاسة تلك الطاولات والسبورات والخزائن.
عندما تلقّن التلاميذ مفهوم الجمال ومعنى النظافة في مدرسة لا جمال بها ولا نظافة، فهذا يعني أنك تقدّم الجهل عوض العلم، والتضليل عوض الوضوح.دخلنا المطبخ المخصص لإعداد وجبات التلاميذ، فوجدنا مساحته لا تتجاوز الثلاثة أمتار مربعة وبه طاولة من الاسمنت تميل إلى اللون الأسود، وجدار مطلي بالسواد بفعل الأدخنة لا تستجيب إلى أدنى شروط السلامة الصحية، بل والأكثر من ذلك فلم نجد وحدة صحيّة واحدة صالحة للاستعمال، وإن شئنا الدقّة فكلمة وحدة صحيّة لا تنطبق على تلك الأحواض التي لا تشبه حتى المراحيض القديمة وأغلبها بلا أبواب.
سألنا بعض من وجدناه من الأولياء عن حالة المدرسة، فأكدوا أنهم توجهوا بأكثر من مكتوب وأكثر من شكاية إلى السلط المحلية والجهويّة ولا من مجيب، بل أجمعوا أنه أثناء الحملة الانتخابية لانتخاب أعضاء المجلس التأسيسي جاءت عديد الأحزاب بحثا عن الأصوات وقدّمت الوعود لكن لا شيء تحقق إلى الآن.
بعضهم سألنا عن معنى الثورة، والآخر قال لنا إن الثورة تحققت، ولكن فقط لمن اعتلى منصبا، أما الفقراء فلا نصيب لهم إلا الفقر مرة أخرى... فهلاّ تدخلت الجهات المسؤولة وأنقذت هذه المدرسة من الإهمال والنسيان خاصة ونحن في العطلة الصيفية التي قد تمثّل فرصة مناسبة لإعادة «إحياء» المدرسة حتى يعود التلاميذ إلى مقاعدهم في أحسن الظروف.