يقول الله تعالى : { ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ، وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ، إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ ، وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (125) وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ ، وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (126) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاّ بِاللَّهِ ، وَلا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ ، وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ (127) إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا ، وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ (128) } النحل . ويقول تعالى: { قُلْ : هَذِهِ سَبِيلِي ، أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ، أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ ، وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ (108) } يوسف . وليست الدعوةُ إلى الله تعالى عصا غليظةً، يحملُها فريق من الناس، يخيف بها الآخرينَ ويتهدّدهم.. وليست أحكاماً حاضرة في كلّ مناسبة ولكُلّ موْقف، تتّهم الناسَ في عقائدهم أو نيّاتهم ، وتُوزّع عليهم ألقاباً وصفَات، باسم الغيرة على دين الله ، أو الدفاع عَن حرماته .. وكذلك ليست الدعوةُ مواقف خطابيّة أو انفعالات آنيَّة، تمليها ظروف من فورة الحماسة ، ثمّ تطفئها لجج الحياة، كمَا تقضِي على الأمواج الهائجة حوافّ الشطآن .. وليست الدعوةُ إلى الله تعالى فكرة فلسفيّة، تحتاج إلى رصيد هائل ضخم، من العلوم والثقافات والمعارف، ليكون الإنسانُ ألحنَ بحجّته، وأفصحَ ببيَانه من الآخرين، ينازلهم في ميادين الفكْر والثقافة الواسعة، كمَا ينازل المصارع في الحلبة خصمَه ، ويتحدّاه ويتهدّدُه .. إنّما الدعوةُ إلى الله تعالى سلوك أخلاقيّ قبلَ كلّ شيء، ينبع من أدب النفس وسجاياها الخيّرة ، التي تَحمل الدين منهجاً عمليّاً للحياة في جميع جوانبها ، فتتمثّلُ بهِ النفس في ذاتها بصدق وتجرّد عَن حظوظهَا ، ثمّ ترشح إلى علاقاتها مَعَ الآخرين على اختلاف تَوجّهاتهم ومشاربِهِم . وإلى الله تعالى نشكو انحراف المفاهيم، وفساد التصوّرات، حتّى قست قلوبنا، وتقطّع ذات بيننا، وشاعت الأثرة البغيضة في صفوفنا، ووهت الروابط، وتبلّدت المشاعر، وتباعدت المسافات النفسيّة والحسّيّة بين أقرب الأقربين.