يقول رمضان متباهيا بين الشهور: لقد أنزلوني في أشرف المواضع، ووضعوني على مائدة الصلاة والتراويح، فيّ تعقد مجالس الذكر، وتشعل الأنوار، وتحيا الليالي إلى الصباح، وفيّ تفتح أبواب الجنّة للصائمين، وتصفّد الشياطين. أنا الشهر التاسع بين الشهور، بين شعبان وشوّال، يبتهج بقدومي الناس لأني شهر التقوى والصلاح والإخلاص لله تعالى، أنا أفوح مسكا وعطرا، أنا شهر جمعت في كل المحامد والمكارم والفضائل، أنا واسطة العقد بين الشهور، في تهب النفحات السماوية، لقد رحبوا بي ترحيبا وقالوا لي: نزلت أهلا، وحللت سهلا، مجدوني وبينوا فضائلي ومكارمي، وخصوني بالذكر الحكيم، والمجالس الدينية العطرة، قاموا بخدمتي وأغلقوا باب الجفاء والمكر والشرّ، وصاموا عن الكذب والبهتان، وفتحوا قلوبهم للخير والرحمة والمحبة حفظوا أعينهم عن الحرام، وأسماعهم عن الباطل، لقد أشعت أنواري، وسمت فيّ الأرواح، وصفت القلوب، وتعلّقت الهمم بأحسن المقاصد، فأنا شهر أدعو إلى التحابب والتواصل والتسامح والإخلاص وحسن الخلق والإحسان والتآزر وذكر الله تعالى.
أنا نفحة من النفحات الإلهية، تخفق القلوب في أيامي وليالي برضا الله تعالى وحبه، تقوى فيّ لدى الإنسان المؤمن النزعة إلى زرع بذور الخير والبرّ فتتجلى روح الإنسان في أنقى صفاتها، وأروع مظاهرها.
أنا مدرسة للأخلاق القويمة، والمشاعر النبيلة، يرجع المرء في شهري إلى نفسه فيحاسبها ويؤوب الى التفكير في المصلحة العامة والخير العميم للأهل والوطن.
يا سعد من صامني وعمل بأحكامي وتجنّب النواهي والمناكر وترك الفواحش والصخب والزور والغش، والتزم بالإتيان بأعمال البر والخير وكفّ عن الشرّ وأذى الغير.
ما أعظم أجر الصائم الذي صام لسانه عن الغيبة والنميمة، وأذنه عن الاستماع إلى المنكر، وقدماه عن السعي إلى الحرام! وما أسعد من صامني إيمانا واحتسابا، وبنية صادقة! قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم عنّي ما معناه: «من صام رمضان وعرف حدوده وتحفّظ مما ينبغي له أن يتحفظ غفر له ما قبله».
أنا مصباح الأعوام، العمل في مرفوع، والخير في مجموع، والذنوب فيّ مغفورة، والتوبة مقبولة، والمساجد بذكر الله تعالى مأنوسة.