يقول الله تعالى: {وَمِنَ الْجِنِّ مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ (12) يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوَابِ وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} فقد جعل الله لسيدنا سليمان عليه السلام سلطة على جميع الشياطين، يسخّر من يشاء منهم في الأعمال الشاقة، ويقيّد من يشاء في الأغلال ليكف شرّهم عن الناس كما قال تعالى: {والشياطين كل بنّاء وغوّاص، وآخرين مقرّنين في الأصفاد..} اي الأغلال.
ولم يكن هذا التسخير لأحد من الأنبياء غير (سليمان) عليه السلام، وذلك غاية العظمة ونهاية الملك والسلطان لملوك الدنيا، فلم ينل أحد من الملوك ما ناله نبيّ الله سليمان عليه السلام، وقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه قال: «إن عفريتا من الجن تفلّت علي البارحة ليقطع علي صلاتي فأمكنني الله منه فأخذته فأردت ان أربطه الى سارية من سواري المسجد حتى تنظروا اليه كلكم، فذكرت دعوة أخي سليمان {ربّ اغفر لي وهب لي مُلكا لا ينبغي لأحد من بعدي}. فرددته خاسئا.
كما أسأل الله له عين القطر (وهو النحاس المذاب) فكان النحاس يتدفق له مذابا من عين خاصة كتدفق الماء فيصنع منه ما شاء قال تعالى: {وأسلنا له عين القطر} وهذه من خصوصيات سليمان عليه السلام كما ألان الله لأبيه الحديد.. {وألنّا له الحديد} فكان بين يديه كالعجين يفتله بيده لا يحتاج الى نار ولا مطرقة، وقد قال ابن عباس في تفسير (القطر) بأنه النحاس وكانت باليمن أنبعها الله له فكان يأخذ منها ما يحتاج اليه للبنايات وغيرها.