ليس جديدا وليس بغريب بأن تتكفل الدولة بالأعمال الاجتماعية ولكن أن يشارك في هذه الأعمال «جمعيات» وأشخاص معروفون بقربهم أو انتمائهم إلى أحزاب من السلطة فإن ذلك يصبح تداخلا بين عمل الدولة ومهامها والأحزاب الحاكمة فالدعاية لها. أكد مصدر مطلع بوزارة الشؤون الاجتماعية التونسية ل«الشروق» تواصل انتحال أشخاص لصفة مرشد اجتماعي يقومون بزيارات ميدانية لضعاف الحال ويجمعون معطيات عنهم ويعدونهم بتدخلهم وايصال أصواتهم إلى سلط المختصة قصد اعانتهم.
وأفاد نفس المصدر بأن البطاقات المهنية التي أكدت الوزارة توفيرها لاخصائييها الاجتماعيين لم تتوفر لدى اطارات ومختصي الوزارة الى اليوم وهو ما قد ينعكس على تدخل أفراد ومجموعات دون صفة في العمل الاجتماعي بقصد ايهام الناس بأنهم هم من قاموا بذلك في حين أن الأعمال الاجتماعية تتكفل الدولة بها وهي من ثروة المجموعة الوطنية.
وقد كانت وزارة الشؤون الاجتماعية حذرت المواطنين من أشخاص ينتحلون صفة المرشدين الاجتماعيين وحثوهم على طلب الاستظهار ببطاقة مهنية منهم. وأكد خليل الزاوية وزير الشؤون الاجتماعية عبر تصريح له عند تقديمه لمشروع مساعدة الأسر الفقيرة وفاقدي السند ل2012 دعوته المجتمع المدني وكل من يعنيهم الشأن العام إلى أن يشاركوه في المطالبة ب«دسترة» حياد الإدارة التونسية عن أي حزب «لأن السوس الذي نخر بلادنا والذي قمعنا هو الإدارة الحزبية التي لا تنظر بعين العدل إلى جميع أطراف المجتمع في اشارة منه لهذا الموضوع» على حد تعبيره.
المساعدات
وأقرت الدولة برنامج مساعدات مالية لإعانة العائلات المعوزة المرسمة بسجلات الفقر باعتمادات جملية مرصودة ضمن ميزانية الدولة بعنوان مساعدة الأسر الفقيرة وفاقدي السند بمناسبة الأعياد الدينية والعودة المدرسية والجامعية تقدر ب23 مليون دينار.
ويؤكد المصدر المطلع بوزارة الشؤون الاجتماعية أن الزيارات الميدانية والعمل الذي تشرف عليه اللجان المختصة لهذا الغرض يواكبه أفراد ومجموعات بتعلة تمثيل المجتمع المدني معروفون بمناصرتهم لحزب معروف. بل يذهب الى أن أعضاء من المكاتب المحلية لحزب حركة النهضة موجودون باللجان المحلية المختصة في أكثر من معتمدية، وفي استفسار أحد المعتمدين عن ذلك أكد هذا الأخير أن هؤلاء يمثلون المجتمع المدني؟؟؟
السكن
على مستوى مشروع السكن الاجتماعي، الذي ستنتفع منه 30 ألف عائلة فإن المنشور الذي تم توزيعه على الولايات من قبل وزير التجهيز وباشراف وزير الداخلية ، --يؤكد على تكوين لجان جهوية تعمل تحت اشراف السلط الجهوية وتضم ممثلين عن السلط المحلية ووزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة التجهيز والمجتمع المدني (جمعيات تنشط في المجال)،» وكل هيكل أو شخصية ترون الفائدة في تشريكه « كما جاء في هذا المنشور، وهو ما يترك المجال واسعا أمام المسؤولين عن هذا العمل وفي أغلبهم اطارات جهوية ومحلية تمت تسميتهم مؤخرا لفتح المجال «للشخصيات» المقربة منهم أو الذين يحملون نفس أفكارهم للتواجد في هذه اللجان والترويج لأحزابهم وأفكارهم مستغلين عملا هو ضمن نطاق هياكل الدولة ومن مشمولاتها بمشاركة المجتمع المدني وليس من مهامه الدعاية الحزبية. و يؤكد مصدرنا أنه تمت دعوة أعضاء من حركة النهضة إلى القيام بزيارات ميدانية للأسر الفقيرة ومرافقة ممثلي وزارة التجهيز وممثلي البلديات في نطاق التحضير للقائمات التي ستنتفع بهذه المساكن في عدد من المعتمديات.
دعاية
ويحذر المراقبون من مغبة العودة الى ممارسات قديمة، كانت تستغل امكانيات الدولة ومشاريعها الاجتماعية لبث الدعاية الحزبية أيام حكم بن علي، فقد كانت المساعدات التي توفرها الدولة وتقتطعها من ميزانية تونس حاملة لعناوين «التجمع الدستوري الديمقراطي» المنحل.
كما أن المعطيات المتوفرة تؤكد أن مسؤولين محليين وجهويين يسكتون عن مثل هذه التجاوزات خوفا من فقدان مواقعهم أو يعمدون الى تشريك هؤلاء أشخاصا ومجموعات بتعلة تمثيلهم للمجتمع المدني وهو ما يفتح الأبواب أمامه للقيام بدعاية حزبية مستغلين المساعدات التي توفرها الدولة في ذلك.
في المقابل فإن المجتمع المدني الذي تكمن أهمية فعله في المراقبة والتصدي لمثل تلك الظواهر مازال «نخبويا»، تحتكره نخيبة ولم يمتد الى الأحياء الفقيرة والمهمشة والجهات المحرومة مما يفسح المجال لمثل تلك التجاوزات الخطيرة.