«سلة رمضان» او «قفة رمضان» أو «مائدة رمضان» مسميات مختلفة لمبادرات من المجتمع المدني لمساعدة العائلات المعوزة في القيروان. وهذا عمل ينم عن غرس طيب في مجتمع مسلم مثله كمثل شجرة اصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين. المساعدات والكلمة الطيبة وروح التكافل أعادت لعديد الأسر المهزومة باليأس، الأمل ومسحت دموع اليتامى والثكالى في رمضان وأثبتت ان الخير في هذا الشعب الى يوم القيامة. في القيروان، كسبت منظمات المجتمع المدني رهان المسؤولية الحس الوطني والإنساني. وملأت فراغ السلط الجهوية التي خلفت وراءها أسرا تعاني وتتألم في صمت منها من قرع باب المسؤول فأطرد. ومنها من لزم الصمت دون سؤال حاجة الى حين هدوء عاصفة الثورة التي انتهزها الانتهازيون. ولم تطلب الجمعيات دعما من السلطات وانما اتجهت الى الناس.
تدغدغ فيهم القيم المتأصلة الى قيم التعاون والتكافل ودعنا نقول التضامن رغم ان العبارة أصبحت مملة ومستهلكة ولكنها قيمة إنسانية ليست حكرا على الأشخاص. وهذه المساعدات التي يقبل عليها المتبرعون سرا وجهرا، هي ليست دعما لاي حزب حاكم او معارض، يؤكد المتطوعون. تدخل الجمعيات الميدانية مثل جمعية التكافل للإغاثة والتنمية بالقيروان والغرفة الفتية وجمعية العاملين بالقرآن والسنة وجمعية قطر الندى وجمعية بنك الطعام التونسي ومنظمة الهلال الأحمر وغيرها، جاء في الوقت المناسب.
فجمعوا التبرعات من المواطنين الذين تقاسموا ما بقفتهم، ومن رجال الأعمال والمؤسسات الخاصة وتولوا توزيعها على العائلات المعوزة بعد معاينات ميدانية. وقدموا مساعدات عينية من أطعمة وملابس متفاوتة القيمة وقد تم توفير كميات من اللحوم وتوزيعها. وهذا يزيد أفراد المجتمع لحمة وتآزرا. الزيارات الميدانية للمناطق الريفية في القيروان، كشفت عن حالات إنسانية واجتماعية متعبة ومزرية ومفقرة ومهمشة. ووجدوا حيرة وألما وانقطاعا عن الدراسة وبطالة وتغطية اجتماعية غائبة مرافق أساسية غائبة وحالات صعبة لم ترها أعين المسؤولين المنشغلة او العاجزة بدورها في ظل الإرهاصات وغياب الاستقرار.
هذه المبادرات أكدت ان الثورة ليست فوضى محضة وانه يمكن الاتجاه بها نحو سبل التعاون والتآخي والعدالة الاجتماعية والإيثار وحب الغير الذي يعد شرط الإيمان. وأنه رغم الصخب واللغط والسخط، فان هناك أشياء كثيرة جميلة تستحق الحياة. وقد لمسنا هذا بشكل مباشر أيضا من خلال بعض البرامج الإذاعية مثل تفاعل الجمعيات والمواطنين مع الحالات التي عرضتها الإعلامية عليا رحيم في برنامجها «حالات» على أمواج إذاعة المنستير ومع الحالات التي نشرتها «الشروق» في اكثر من عدد وفي اكثر من جهة.
المجتمع المدني أكد أنه جزء من الحل. ويثبت فاعلية دوره في كشف ما التبس على السلطات الجهوية والمركزية. وتحتاج هذه المبادرات الى تطوّع ومساندة من المواطنين ومن مختلف المؤسسات وخصوصا الخاصة. كما وجب التذكير بمؤسسات التكافل الاجتماعي التي كانت توفر سند المعوزين وعيادة مشاكلهم ومعاناتهم، ونعني بها الأوقاف والأحباس التي تم حلها في جملة ما تم حله وضربه بشكل حرم آلاف الحالات من الاستفادة بمنظومة الزكاة والأوقاف والأحباس. ويطالب بعض الناس والعارفون بمنافعها ان يتم استرجاعها ولو بشكل عصري وحديث يوائم عصرنة المؤسسات لتعم قيم التكافل وتعود قيم التعاون التي يتحسر الناس على تراجعها. كم جميل ان تمسح أيادي التكافل دموع اليتامى والثكالى.