بودربالة : '' الادعاءات ضد تونس حول التعامل غير الانساني مع المهاجرين قد ثبت عدم صحتها ''    هجرة غير نظامية: تراجع عدد التونسيين الواصلين إلى إيطاليا ب 18,52 %    ولاية رئاسية ''خامسة'' : بوتين يؤدي اليمين الدستورية    ايطاليا: تراجع عدد الوافدين ب60,8% منذ بداية العام    Titre    الإحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه وبحوزته مخدرات    الليلة: أمطار غزيرة ورعدية بهذه المناطق    المهديّة :ايقاف امام خطيب بسبب تلفظه بكلمة بذيئة    نحو صياغة كراس شروط لتنظيم العربات المتنقلة للأكلات الجاهزة    من الحمام: غادة عبد الرازق تثير الجدل بجلسة تصوير جديدة    الاحتفاظ بمسؤولة بجمعية تعنى بشؤون اللاجئين و'مكافحة العنصرية'    هذه الآليات الجديدة التي يتضمنها مشروع مجلة أملاك الدولة    سليانة: السيطرة على حريق نشب بأرض زراعية بأحواز برقو    تالة: ايقاف شخص يُساعد ''المهاجرين الافارقة'' على دخول تونس بمقابل مادّي    هام/ الليلة: انقطاع المياه بهذه المناطق في بنزرت    دوري أبطال أوروبا : ريال مدريد الإسباني يستضيف بايرن ميونيخ الألماني غدا في إياب الدور نصف النهائي    عاجل : صحيفة مصرية تكشف عن الحكم الذي سيدير مباراة الاهلي و الترجي    وزير السياحة : قطاع الصناعات التقليدية مكن من خلق 1378 موطن شغل سنة 2023    قريبا: وحدة لصناعة قوالب ''الفصّة'' في الحامة    أبطال إفريقيا: الكاف يكشف عن طاقم تحكيم مواجهة الإياب بين الترجي الرياضي والأهلي المصري    حماس: اجتياح الكيان الصهيونى لرفح يهدف لتعطيل جهود الوساطة لوقف إطلاق النار    سليانة: تخصيص عقار بالحي الإداري بسليانة الجنوبيّة لإحداث مسرح للهواء الطلق    انقلاب "تاكسي" جماعي في المروج..وهذه حصيلة الجرحى..    تونس تسيطر على التداين.. احتياطي النقد يغطي سداد القروض بأكثر من ثلاثة اضعاف    اتصالات تونس تنخرط في مبادرة "سينما تدور" (فيديو)    منظومة الاستثمار: نحو مناخ أعمال محفز    تونس : 6% من البالغين مصابون ''بالربو''    وزارة التربية تنظم حركة استثنائية لتسديد شغورات بإدارة المدارس الابتدائية    المنظمة التونسية لإرشاد المستهلك: "أرباح القصابين تتراوح بين 15 و20 دينار وهو أمر غير مقبول"    لاعبة التنس الأمريكية جيسيكا بيغولا تكشف عن امكانية غيابها عن بطولة رولان غاروس    باكالوريا: كل التفاصيل حول دورة المراقبة    متى موعد عيد الأضحى ؟ وكم عدد أيام العطل في الدول الإسلامية؟    فتوى تهم التونسيين بمناسبة عيد الاضحى ...ماهي ؟    الرابطة الأولى: النجم الساحلي يفقد خدمات أبرز ركائزه في مواجهة الترجي الرياضي    الليلة في أبطال أوروبا ...باريس سان جرمان لقلب الطاولة على دورتموند    «فكر أرحب من السماء» شي والثقافة الفرنسية    الفنان بلقاسم بوقنّة في حوار ل«الشروق» قبل وفاته مشكلتنا تربوية بالأساس    الكشف عن وفاق إجرامي قصد اجتياز الحدود البحرية خلسة    حوادث: 13 حالة وفاة خلال يوم واحد فقط..    في قضية رفعها ضده نقابي أمني..تأخير محاكمة الغنوشي    رئيسة قسم أمراض صدرية: 10% من الأطفال في تونس مصابون بالربو    هزة أرضية بقوة 4.9 درجات تضرب هذه المنطقة..    عاجل- قضية الافارقة غير النظاميين : سعيد يكشف عن مركز تحصل على أكثر من 20 مليار    سيدي حسين: مداهمة "كشك" ليلا والسطو عليه.. الجاني في قبضة الأمن    إشارة جديدة من راصد الزلازل الهولندي.. التفاصيل    عاجل/ هجوم على مستشفى في الصين يخلف قتلى وجرحى..    البطولة الانقليزية : كريستال بالاس يكتسح مانشستر يونايتد برباعية نظيفة    مشروع لإنتاج الكهرباء بالقيروان    أولا وأخيرا .. دود الأرض    في لقائه بخبراء من البنك الدولي: وزير الصحة يؤكد على أهمية التعاون المشترك لتحسين الخدمات    بمناسبة اليوم العالمي لغسل الأيدي: يوم تحسيسي بمستشفى شارل نيكول حول أهمية غسل الأيدي للتوقي من الأمراض المعدية    فيديو/ تتويج الروائييْن صحبي كرعاني وعزة فيلالي ب"الكومار الذهبي" للجوائز الأدبية..تصريحات..    نسبة التضخم في تونس تتراجع خلال أفريل 2024 الى 2ر7 بالمائة في ظل ارتفاع مؤشر أسعار الاستهلاك    الفنان محمد عبده يكشف إصابته بالسرطان    الفنان محمد عبده يُعلن إصابته بالسرطان    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عيوننا الاخرى : الشاعر في ذكراه محمد مهدي الجواهري: بهاء الديباجة القديمة.. أو الكتابة من خلال التراث (1)
نشر في الشروق يوم 02 - 08 - 2012

مازالت صورة الجواهري بقامته الفارعة، وطاقيته المائلة، ومسبحته التي يسلسل حبّاتها باستمرار، وصوته الشجيّ الذي لم تكسره سنوات الشيخوخة الطويلة عالقة بذاكرتي..رأيت الرجل في أماكن مختلفة، وفي فترات متباعدة، لكنّ صورته ظلّت واحدة لم تتغيّر.. ثمّة إحساس كان يخالجني كلّما رأيت الجواهري هو أنّه أراد، عن وعي عامد، التشبّث بتلك الصورة، الحفاظ على تفاصيلها الصغيرة، فلم يسع إلى تغييرها أو تحويرها..ثمّ إنّ الزمن قد تواطأ معه فلم يؤثّر في ملامحه، على امتداد سنوات طويلة، تأثيرا واضحا .. فظلّ هو هو حتّى سنيّ حياته الأخيرة.

لكنّ حضور الرّجل كان يتجلّى أقوى ما يتجلّى حين يعتلي المنبر وينشد قصائده.. كان، في أكثر الأحيان، لا يستعين بورقة، وإنّما يعوّل على قوّته الحافظة، فيقرأ القصيدة، مهما تعدّدت أبياتها، دون تردد أو تلكّؤ، تاركا المجال ليديه أن تتحرّكا، ولعينيه أن تحدّقا في عيون الحاضرين، ولجسده أن يفصح عن أحاسيسه وانفعالاته، مستحضرا من خلال نبرته العالية، مراسم الإنشاد التقليديّة.. أذكر أنّني كنت والناقد العراقيّ ماجد السامرّائي نستمع الى الرجل في أحد اللقاءات الأدبيّة وهو يرفع صوته في ما يشبه النشيج فقال لي الناقد العراقيّ: أنا على يقين بأنّ الشعراء القدامى كانوا ينشدون قصائدهم بهذه الطريقة..وبهذه النبرة.. هكذا كان يتغنّى البحتريّ والمتنبّي وبشار بقصائدهم..

وليس ذلك بغريب عن شاعر ظلّ، طوال حياته المديدة، يستحضر أرواح الشعراء القدامى، يستعير لغتهم، ويستدعي طرائقهم في تصريف القول، وإقامة الوزن وعقد القوافي. فالجواهري، ظلّ وفيّا للسنّة الشعريّة، ما فتئ، يستعيد، من خلال قصائده، أصولها، ويعيد إنتاج عناصرها..محتذيا أنموذجا قائما في الذاكرة اكتسب، من أثر تكرار بعد تكرار، ضربا من القداسة . فهو، كما يحبّ أن يصف نفسه، شاعر «السليقة العربيّة» يردّ عنها غوائل الزمن وعوادي التاريخ لتبقى محتفظة بصفائها الأوّل ونقائها القديم.. حتّى الشعر الوطنيّ الذي يعدّ غرضا شعريّا جديدا لم يتحرّر من ذاكرة القصيدة التقليديّة صورا وتراكيب وإيقاعا.. فالجواهري كان آخر الإحيائيين الذين رأوا في استعادة الأنموذج البيانيّ القديم تداركا لتدهور الشعر العربيّ، وتداركا، على وجه الخصوص، لتدهور حاضنته الأولى: اللغة العربيّة.

لم تهزّ رياح التحديث الشعري التي عصفت في العراق قناعات الجواهري، ولم تترك قصيدة الروّاد في مدوّنته أيّ أثر يذكر..لكأنّ الجواهري كان ينتمي إلى زمن شعريّ بينما كان شعراء الحداثة الشعريّة ينتمون إلى زمن آخر.. ففيما كان هؤلاء يحاورون إليوت وستويل وأراغون كان الجواهري يحاور المتنبّي والمعرّي والبحتري.. وفيما كان شعراء الحداثة يسعون إلى الخروج عن اللغة القديمة ودلالاتها الموروثة وبنيتها الإيقاعية القديمة، كان الجواهري، على العكس من ذلك، يستعيد الذاكرة الشعريّة، محتفيا بالبلاغة التقليديّة، مستحضرا بهاء الديباجة الشعرية الأولى..كان الجواهري معهم لكنّه لم يكن منهم. فالرجل كان ينتمي إلى سلالة شعريّة أخرى، وينتسب إلى تاريخ فنّي وأدبيّ مختلف..لم يكن الجواهري يعيش هاجس الحداثة وإنما كان يعيش هاجس التواصل مع الجمهور.. وإذا كانت المؤسّسة النقديّة لم تول مدوّنة الجواهري كبير عنايتها ولم تتأمّلها تأمّلا فاحصا فإنّ «الجمهور» أقبل عليها بحماسة كبيرة سماعا وقراءة..فكيف نسوّغ هذا الإقبال؟

لعلّ أهمّ الأسباب التي تسوّغ هذا الإقبال استجابة الشاعر لأفق انتظار المتقبّل.. واستجابة الشاعر لهذا الأفق تعني استرضاء المتقبّل، تكريس فهمه لوظيفة الشعر، ولدور الشاعر في الحياة. فيكون كلامه، أعني كلام الشاعر، مطابقا لنفس السامع على حدّ عبارة النقّاد القدامى.. وهذه الملاحظة ليست استنقاصا من منزلة الشاعر ولا تهوينا من قيمته الشعريّة.. فالجواهري لم يسع، في كلّ ما كتب، إلى العدول عن هذا الأفق أو الخروج عن نواميسه المسطرة وقوانينه المقدّرة..بل إنّه ظلّ وفيّا للعلاقة القديمة التي انعقدت بين الشاعر ومتقبّله، ومن خلال هذه العلاقة كتب أجمل قصائده..

لقد كانت قصائد الجواهري، بحقّ، ديوان العرب في القرن العشرين، وسجلّ أخبارهم، ومستودع أيّامهم..فالشاعر قد أشرف من فوق سنواته التسعين على تاريخ الشرق العربيّ عامّة، وتاريخ العراق على وجه الخصوص، فسجّل ما كان أحقّ بالتسجيل، ودوّن ما كان أولى بالتدوين..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.