حكايات كثيرة تروى حول تاريخ الزوايا والطرق الصوفية في صفاقس وفي غيرها من المدن وعلاقتها بانتشار انماط معينة من الموسيقى في مختلف أنحاء البلاد منذ القرن الثاني عشر الميلادي ولا تخلو قرية أو مدينة من زاوية ولي يتبرك به اهلها. وتعد مناسبات زيارات هذه الزوايا والمقامات فرصة لأتباع الطرق الصوفية الأخرى لممارسة احتفالاتهم وترديد أناشيدهم وعرض قدرتهم وتتعدد فيها أنواع الموسيقى بما يجعل من مقام الولي فضاء يجمع بين الروحانيات والموسيقى.
وقد كانت كل فرقة من الفرق الصوفية بصفاقس تمتاز عن غيرها بنوع من الموسيقى أو «السماع» التي تقام في اكثر من اربعين زاوية على امتداد كامل الولاية وتختلف هذه الفرق عن بعضها البعض من حيث العدد وتنوع الالات فتستعمل طريقة «العيساوية» أو «العوامرية» الزكرة والبندير والدربوكة مصحوبا بالانشاد في حين تستعمل طريقة «السلامية» أو «القادرية» آلات الايقاع فقط صحبة الانشاد اما في مجالس سيدي ابي الحسن الكراي فتستعمل الزكرة أو العود إلى جانب الطار والدربوكة والنقارات.
ومن مزايا هده الطرق انها حافظت على التراث الموسيقي وخاصة الالحان المقلدة عن الموشحات والنوبات والاغاني لهذا فقد كانت الزوايا في فترة ما مدارس موسيقية خرج منها عديد الموسيقيين والحفاظ والرواة.
هذا التراث الموسيقي نشأ في حيز معماري اسلامي يبرز ما بلغه «الاسطى» الصفاقسي من مقدرة في فن بناء الاروقة والاقواس والاعمدة والاسطوانات وغيرها وما يلحقها من زينة وتبييض ودهن وتزيين الجدران بالزرابي واللوحات والمخطوطات المشتملة على آيات قرآنية نقشت بالذهب أو الفضة إلى جانب الاثاث المزخرف وقد ساهم كل هذا في انتشار هذه الطرق وتفننها في المديح.
ويذهب البعض ان هذه الزوايا كانت تعتبر بمثابة النوادي والجمعيات تستقبل المحبين والمريدين لتبادل الرأي في الدين والعلم والجهاد والحياة ليجدوا فيها خليطا عجيبا يجمع بين الراحة والتسلية والرياضة الروحية.