استبشر كل المتابعين للساحة السياسية في بلادنا باطلاق عدد من مبادرات الحوار تهدف الى تنقية الاجواء التي شابها بعض التوتر خلال الفترة الماضية ، ولعل اهم الاطراف التي قدمت مشروعا متكاملا في هذا الخصوص الاتحاد العام التونسي للشغل. وقد رحبت كل الاطراف انطلاقا من الحكومة وصولا الى الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني بهذه المبادرة وعدتها شكلا من اشكال الاحساس بالمسؤولية والرغبة في العيش الآمن والمشترك وتجاوز تحديات المرحلة الحرجة التي تشهدها بلادنا منذ فترة ، بل واعتبرتها اكثر اهمية من عدد من المبادرات الاخرى التي انطلقت من هنا وهناك وكان من المتوقع ان يأخذ الاتحاد موقعه الذي كثيرا ما قال انه يتناسب مع حجمه بوصفه اكبر منظمة نقابية.
غير ان ما جرى في ولاية صفاقس من احداث طرح اكثر من سؤال يتعلق باسباب التشنج المبالغ فيه في تصريحات عدد من الاطراف النقابية التي سرعان ما نفضت يديها من دعاوى الحوار والتعقل والاتزان وعادت الى التصريحات الحربية التي تهدد وتتوعد وسقطت بالتالي في اول تجربة جدية اعترضتها.
الامر الغريب انه في ظل المطالبة بضرورة حماية استقلالية القضاء وعلوية القانون يظهر الان من يطالب ببعض الامتيازات الخاصة التي تذكرنا بزمن المحاباة والمعاملات المصلحية بعد ان خلنا انها ولت بلا رجعة بعد ثورة دفع في سبيلها ابناء هذا الوطن ارواحهم فداء للعدالة والمساواة.
لاتحاد الشغل ان يدافع عن منظوريه عندما تكون قضاياهم عادلة وذلك هو دوره الذي لا ينازعه فيه احد ولكن مطلوب منه كذلك ان لا يورط نفسه في قضايا مزعومة خاصة اذا كانت من انظار القضاء او ان يعلن صراحة انه لا يعترف بالمؤسسة القضائية جملة وتفصيلا، وفي كل الاحوال عليه ان يكون واضحا مع الجميع وان لا يرفع شعار الحوار اليوم وشعار الصدام غدا اللهم الا اذا كانت مبادرته للحوار غير جدية.