مثلت العين (الرومانية) معتمدية نصر اللّه (القيروان) قبل سنوات شريان الحياة لسكان المنطقة، فهي مصدر قوتهم وعاداتهم وهي متنفسهم علاوة على ارتباط غابة الزياتين العريقة المطلة على المدينة تضفي عليها رونقا طبيعيا خلابا. غير أن العين التي يعرفها الكبار والصغار وألفتها النسوة والصبايا، أصبحت من المأسوف عليها وتثير الشفقة بعد تراجع دورها الاقتصادي والاجتماعي نتيجة ضعف تدفق مياهها بشكل أضرّ بحاجيات السكان الى ماء العين وما يرتبط بها.
والعين الارتوازية الرومانية هي معلم مائي أثري. وقد كان للرومانيين السبق في الاستفادة من المياه العذبة في الري والسقاية بعد أن حفروا عديد الآبار العميقة (نحو 7 آبار) بقيت منها أربعة شديدة العمق. وأقاموا السواقي العظام بين هذه الآبار وتحت الأرض لتيسير جريان المياه نحو السهول الممتدة على مئات الهكتارات، فغرسوا آلاف الزياتين في مساحات شاسعة وهي من أجود أنواع الزياتين وأكثرها عطاء وهي من الصنف البيولوجي.
وما يثير التعجب في هذه الآبار الرومانية أنها محفورة بدقة من خلال طريقة النحت في عمق الصخور. يصل عمق بعضها 60 مترا ، ومن عجب الصنعة أن هذه الآبار بقيت صامدة الى اليوم لم تتهدم ولم تردم رغم ما ألقي فيها. ما يبعث على التساؤل حول الأدوات التي استخدمت في الحفر. وهو ما جعل عديد الباحثين الأجانب يبحثون في إعجازها البديع والتقنيات التي استعملت. وواصلت العين تدفقها الى يوم الناس هذا بلا كلل لكن مع تغيير في الاعتناء وفي التدفق.
يتمّ تناقل قصص كثيرة عن العين وماءها العذب. قصص تتذاكرها العائلات العريقة بنصر اللّه وتشير الى أن شدّة تدفق العين الجبلية في الماضي تدفع ماءها نحو مدينة منزل المهيري (10 كلم شمال نصر اللّه). ويتميّز ماء هذه العين بالدفء شتاء وبالعذوبة والبرودة صيفا.