بقطع النظر عن سمة الصفقة أو الاتفاق الذي صبغ عملية تبادل الأسرى بين اسرائيل وحزب اللّه، فإنّ الملف الآن فتح دون رجعة : ملف الأسرى الفلسطينيين الذين يعدّون بمئات الآلاف والقابعين في السّجون الإسرائيلية. والحقيقة أن ملف الأسرى الفلسطينيين أو ملف الظلم الاستعماري المتواصل في فلسطين، نجده قد ثقلت موازينه، لكن الملفت في هذا الملف هو أن لا صوتَ ولا موقف صدرا عن الهيئات الدولية المختصة، ولا من المجتمع الدولي ولا من الأممالمتحدة. ملف الأسرى الفلسطينيين لدى قوات الاحتلال هو ملف مسكوت عنه. والمؤشرات على ذلك كثيرة. منها أن قوة الاحتلال في فلسطين، والتي تحتلّ جزءا من جنوب لبنان والجولان السوري، عمدت الى التعالي على القانون الدولي الانساني، وتحديدا انكارها تطبيق اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949، وباقي الاتفاقيات ذات العلاقة بالأسير الفلسطيني وبوضع الأراضي تحت الاحتلال.. وهذا التعالي وعدم الاعتراف لم تأتيهما إسرائيل خفية أو بطريقة المواربة، بل أتت اسرائيل هذه الأفعال علنا ودون خشية من أحد. لماذا ؟ لأن العهود الدولية التي مرّت واسرائيل موجودة، كانت ظروفها وتوازناتها تخدم اسرائيل الكيان أكثر مما تخدم القانون والشرعية. من ذلك أن رصدا بسيطا للمحطات الدولية المهمة سواء الحرب الباردة أو بعد انهيار الثنائية القطبية أو زمن العولمة الذي نعيش، نجد أن اسرائيل محفوفة بعناية غير عادية من كبار العالم. ونجد أيضا أن اسرائيل مستثناة من استحقاقات قانونية وسياسية، لا يمكن أن نشهد يوما أن كيانا آخر أو دولة غير اسرائيل، يمكن أن تحظى بهذا الامتياز. إن المنظمات الدولية ذات الاختصاص والأممية كذلك، من مجلس الأمن الدولي إلى منظمة الصليب الأحمر الدولي، تتحمّل مسؤوليات جسام في وضعية الأسير الفلسطيني. اسرائيل كقوة احتلال، تعمل «جاهدة» لكي تطوي قضية فلسطين كقضية احتلال، وبالتالي تبدأ من ملف الأسرى، تبعده عن الأنظار وتتلكّأ في كل اتفاق سياسي حول ادراجه كملف ناتج عن الاحتلال. اليوم ومع هذه المتغيرات الدولية التي نراها متسارعة ومعتمدة على الكيل بمكيالين بين القضايا المطروحة اليوم، يجد الشعب الفلسطيني نفسه بين نارين : نار الاحتلال وتداعياته التي خلّفت ولا تزال أعدادا متزايدة من الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، ونار الصمت الدولي والتجاهل والجهل اللّذين يسودان الفئات والمنظمات الحقوقية الدولية والأممية. لقد أثار ملف تبادل الأسرى بين حزب اللّه والكيان الاسرائيلي ملفّ العذاب الفلسطيني. ملفّ حقوق الأسرى الفلسطينيين. والعجيب في كل هذا، أن الموضوع نراه يمرّ دون ضجيج ودون تساؤل من أيّ طرف : ما هي وضعية الأسرى الفلسطينيين، وما هو القانون أو الاتفاقيات الحاضنة لهذا الملف. مرّة أخرى وبرصد بسيط لكلّ المعطيات التي تشوب الملف، يبرز معطى أساسي، لكنه مؤسف في الآن ذاته وهو أن موضوع الأسرى الفلسطينيين كما مسألة النضال الوطني الفلسطيني المشروع، أضحت قضايا ضمن لعبة التوازنات الدولية، الانتصار فيها للأقوى وليس للقانون أو الشرعية أو الانسانية.