لقد دق الجرس وحان الموعد الذي يتعين فيه على كل فئات المجتمع المدني وبخاصة مفكريه ونخبه أن تحدد موقفا واضحا مما يتم التخطيط له بغاية نحت طبيعة المجتمع التونسي المراد ترسيخه في المستقبل، وذلك إثر التصويت على الفصل 28 المتعلق بحقوق المرأة والفصل 31 المتعلق بحقوق الطفل من قبل لجنة الحقوق والحريات بالمجلس الوطني التأسيسي. ويتزامن الجدل القائم بخصوص هذين الفصلين مع احتفال بلادنا يوم 13 أوت 2012 بمرور ست وخمسين سنة على صدور مجلّة الأحوال الشخصيّة وبعد أن مرت أكثر من ثلاثين سنة على سريان مفعول اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة – المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 ديسمبر 1979 ومن عشرين سنة على سريان مفعول اتفاقية حقوق الطفل المعتمدة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في 20 نوفمبر 1989.
ولا يمكن في الواقع لأحد منا أن يقف موقف اللامبالاة إزاء هذا الجدل القائم هذه الأيام في تونس حول هذه القضايا لارتباطها الوثيق بكل العناصر والخصائص المؤسسة للهوية التونسية وباعتبارها من المعادلات الرئيسية في تحديد طبيعة النظام السياسي والاجتماعي التونسي على مدى الأجيال القادمة. وهو جدل يطرح تساؤلا حاسما حول المستوى الحضاري الذي بلغته بلادنا ومدى انخراطها في جملة المبادئ الكونية القائمة على شمولية حقوق المرأة وحقوق الطفل من منظور حقوق الإنسان وغير قابليتها للتجزئة ولأي شكل من أشكال الانتقاص، بما يساهم في بناء الغد الأفضل الذي نتوق له جميعا في إطار منظومة علاقات سياسية ومجتمعية تسودها الديمقراطية، والتعددية، والتنافسية، والتحررية التي تتيح لكل الإبداعات في كل المجالات أن تنشط وتنمو بالتبادل والتلاقح، وتمكن من تقليص حدة الصراعات بين مختلف الفصائل الفكرية والسياسية ومن توحيد الأخلاقيات والقيم المثلى، كنصرة حقوق الإنسان، وترسيخ الحريات، وتعميم دولة القانون والمؤسسات.
والثابت أن مبدأ عالمية – أو كونية - حقوق المرأة وحقوق الطفل، من منظور حقوق الإنسان لا يعني إنكار وجود تمايز اجتماعي وثقافي واقتصادي وسياسي بين شعوب العالم.
فالخصوصية والتنوع الثقافي والحضاري واقع يجب التأكيد عليه وميزات يجب الدفاع عنها. بيد أن ذلك لا يمكن أن يكون نقيضا للعالمية أو سببا لحرمان فئة ما من النساء أو الأطفال، من الحقوق المكرسة عالميا، بقدر ما يجب أن ينظر إليه كمصدر لإثراء هذه الحقوق بأشكال متنوعة من الحماية والابتكار، من أجل احتلال الصدارة بين الأمم في مجال إعمال مختلف هذه الحقوق وتنميتها. وقد تدعم هذا الاتجاه أثناء انعقاد المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان بفيينا سنة 1993، حيث أقرت وثيقة إعلان وبرنامج عمل فيينا على أن «جميع حقوق الإنسان عالمية وغير قابلة للتجزئة ومترابطة ومتشابكة»، وأكدت على أنه «في حين يجب أن توضع في الاعتبار أهمية الخاصيات الوطنية والإقليمية ومختلف الخلفيات التاريخية والاقتصادية والثقافية والدينية، فإن من واجب الدول، بصرف النظر عن نظمها السياسية والاقتصادية والثقافية، تعزيز وحماية جميع حقوق الإنسان».
من هذه المنطلقات، يحتل الجدل الفكري القائم حاليا على إثر التصويت على الفصلين 28 و31 المتعلقين بحقوق المرأة وحقوق الطفل من قبل لجنة الحقوق والحريات بالمجلس الوطني التأسيسي موضع الصدارة من أجل إبراز مدى قدرة المجتمع بأسره على رفع التحديات المتعلقة بتثبيت حقوق المرأة وحقوق الطفل وتعزيزها، بما يمكن من رفع باقي القيود المكبلة للنساء ولطاقاتهن في المشاركة على قدم المساواة الكاملة مع الرجل في جميع مجالات الحياة العامة والخاصة، ومن تأمين فرص المشاركة الواسعة للاطفال في كل مجالات الحياة الأسرية والمجتمعية، وبما يؤهل مجتمعنا لتأكيد ذاتيته كيفا وكما حتى يضمن لنفسه، بصفة دائمة و مستمرة، البقاء ككائن تاريخي حي. وبعبارة أخرى، فإن الجدل بل قل الصراع القائم حاليا إنما هو بدرجة أولى جدل وصراع مصيري حول القيم الثقافية والحضارية للشعب التونسي بالمعنى الواسع للكلمة. فلا بقاء دائم للمجتمع الذي يجري نحته للمستقبل دون إعلاء مكانة الموارد البشرية بمختلف مكوناتها وبخاصة النساء والأطفال كشرط أساسي لقيام مجتمع ثابت الأصول ومتطور يسوده الأمن والتسامح والتعايش السلمي، في إطار رؤية تضع حقوق المرأة وحقوق الطفل في موقع مركزي من منظومة حقوق الإنسان عامة في شموليتها وترابطها وتناسقها. أولا مشروع يكرس القيود المكبلة للنساء ولطاقاتهن في المشاركة على قدم المساواة الكاملة مع الرجل في جميع مجالات الحياة العامة والخاصة ينص المقترح المقدم لنص الفصل 28 من مسودة الدستور على ما يلي: «تضمن الدولة حماية حقوق المرأة ودعم مكاسبها باعتبارها شريكا حقيقيا مع الرجل في بناء الوطن ويتكامل دورهما داخل الأسرة.
تضمن الدولة تكافؤ الفرص بين المرأة والرجل في تحمل مختلف المسؤوليات. تضمن الدولة القضاء على كل أشكال العنف ضد المرأة».
إن المتأمل في هذه الصياغة يشعر ببالغ القلق. ومرد ذلك لا يقتصر على التنصيص ضمن الفصل 28 المذكور على «التكامل» بين دور كل من الرجل والمرأة داخل الأسرة، ذلك أن فكرة التكامل في حد ذاتها قد لا تبدو من أول وهلة متناقضة مع صريح الأدوات الدولية لحقوق الإنسان، ومن بينها المبدأ سابق الذكر والمنصوص عليه في وثيقة إعلان وبرنامج عمل فيينا لسنة 1993 والقائل بأن «جميع حقوق الإنسان.. مترابطة ومتشابكة». وإنما يكمن وجه القلق الحقيقي في عدم التنصيص صراحة على مبدإ «المساواة وعدم التمييز» بين الرجل والمرأة في التمتع بكافة الحقوق المقررة في الدستور وباقي التشريعات النافذة، بما في ذلك الحقوق المترتبة عن العلاقات داخل الأسرة، مما يوحي بحقيقة الأمر المقصود من هذه الصياغة الواردة بالفصل 28 المقترح، وهو تكريس فكرة أن حقوق المرأة داخل الأسرة حقوق مكملة لحقوق الرجل ولا ترتقي إلى حقوق مساوية لها مساواة كاملة، دون أي شكل من أشكال التمييز.
وفي هذا الصدد بالذات يكمن وجه التراجع الذي من شأنه أن يتجسم لو تم الإبقاء على هذه الصياغة للفصل 28. وهي صياغة تتعارض مع صريح المادة 2 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والتي تدعو الدول الأطراف إلى القيام، من جملة أمور، بما يلي : « (أ) تجسيد مبدإ المساواة بين الرجل و المرأة في دساتيرها الوطنية أو تشريعاتها المناسبة الأخرى، إذا لم يكن هذا المبدأ قد أدمج فيها حتى الآن، وكفالة التحقيق العملي لهذا المبدإ من خلال القانون و الوسائل المناسبة الأخرى ؛ (ب) اتخاذ المناسب من التدابير التشريعية و غيرها، بما في ذلك ما يقتضيه الأمر من جزاءات، لحظر كل تمييز ضد المرأة...».
كما تتعارض الصياغة المقترحة للفصل 28 من مسودة الدستور وبخاصة عبارة «تكامل دور الرجل والمرأة داخل الأسرة» مع صريح المادة 16 من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة والتي تقضي بوجوب تجاوز منطوق التكامل في الأدوار وإحلال منطوق المساواة الكاملة في الحقوق وذلك بأن «تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضد المرأة في الأمور المتعلقة بالزواج و العلاقات الأسرية، و بوجه خاص تضمن، على أساس تساوي الرجل و المرأة : (أ) نفس الحق في عقد الزواج؛ (ب) نفس الحق في حرية اختيار الزوج، وفي عدم عقد الزواج إلا برضاها الحر الكامل؛ (ج) نفس الحقوق و المسؤوليات أثناء الزواج و عند فسخه؛ (د) نفس الحقوق والمسؤوليات كوالدة، بغض النظر عن حالتها الزوجية، في الأمور المتعلقة بأطفالها؛ وفي جميع الأحوال، تكون مصالح الأطفال هي الراجحة ؛ (ه) نفس الحقوق في أن تقرر بحرية و بشعور بالمسؤولية عدد أطفالها و الفترة بين إنجاب طفل و آخر، و في الحصول على المعلومات والتثقيف و الوسائل الكفيلة بتمكينها من ممارسة هذه الحقوق؛ (و) نفس الحقوق و المسؤوليات فيما يتعلق بالولاية والقوامة والوصاية على الأطفال و تبنيهم، أو ما شابه ذلك من الأنظمة المؤسسية الاجتماعية، حين توجد هذه المفاهيم في التشريع الوطني؛ وفي جميع الأحوال تكون مصلحة الأطفال هي الراجحة ؛ (ز) نفس الحقوق الشخصية للزوج و الزوجة، بما في ذلك الحق في اختيار اسم الأسرة والمهنة و الوظيفة؛ (ح) نفس الحقوق لكلا الزوجين فيما يتعلق بملكية و حيازة الممتلكات، و الإشراف عليها، وإدارتها، والتمتع بها، و التصرف فيها، سواء بلا مقابل أو مقابل عوض ذي قيمة». وتتعارض الصياغة الحالية للفصل 28 من مسودة الدستور مع الملاحظات الختامية والتوصيات الصادرة بتاريخ 22 أكتوبر 2010 عن لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة عقب النظر في التقريرين الخامس والسادس لتونس، يوم 7 أكتوبر 2010، حيث عبرت اللجنة عن عن تقديرها بخصوص « إصرار الدولة الطرف الثابت على تحقيق المساواة بين الجنسين ومواءمة تشريعاتها مع المعايير الدولية، بما في ذلك الاتفاقية . وفي هذا الصدد، تشير اللجنة إلى أن تونس تعتبر مثالا يُحتذى لدى بلدان عربية وإسلامية كثيرة». ولكن ومع ذلك، أعربت اللجنة عن أسفها «...لأن الدستور لا يكرس مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة ولا يتضمن أي تعريف للتمييز ضد المرأة وفقًا للمادة 1 من الاتفاقية» .
وإذ تقر اللجنة «... بما تبذله الدولة الطرف من جهود لتغيير القوالب النمطية المتعلقة بأدوار النساء، بوسائل منها على وجه الخصوص وسائط الإعلام والبرامج التثقيفية»، بيد أن القلق ما زال يساور اللجنة بخصوص «...استمرار المواقف والسلوكات التي تكرس سلطة الرجل والقوالب النمطية المتجذرة المتعلقة بأدوار كل من المرأة والرجل ومسؤولياتهما وهويتهما». واللجنة منشغلة أيضًا «...إزاء تصاعد الأنماط والممارسات والتقاليد الثقافية المناوئة للمرأة في الدولة الطرف. وتُعرب عن قلقها من أن تلك المواقف والممارسات تساهم في استدامة التمييز ضد النساء والبنات وتكرس وضعهن المجحف وغير المتكافئ مع الذكور في مجالات كثيرة، بما فيها التعليم وصنع القرار والزواج والأسرة، فضلا عن أن تلك المواقف والممارسات تُسهم في استمرار العنف ضد المرأة» .
ويتجلى مما سبق أن نص المادة 28 من مسودة الدستور الجديد مثلما تم إقراره من قبل لجنة الحقوق والحريات إنما يعد مخالفا تماما لتوصيات لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وهو ما يدعو مختلف مكونات المجتمع المدني، رجالا ونساء، إلى توحيد جهودها ومزيد الضغط من أجل تعديل المقترح في صياغته الحالية والعمل على دعم الجهود التي تبذلها تونس في هذه الفترة الانتقالية، وذلك باعتماد التدابير التالية: توصية عدد 1: التنصيص صراحة ضمن الدستور الجديد الذي سيعتمد من قبل المجلس الوطني التأسيسي على أسبقية الصكوك الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان على القوانين الوطنية.
توصية عدد 2: إدراج مبدإ المساواة بين المرأة والرجل في الدستور الجديد تمشيا مع المادة 2 (أ) من اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وتأمين تعريف التمييز الوارد في المادة 1 من الاتفاقية بشكل تام بما يمهد لسن وتنفيذ قانون شامل بشأن المساواة بين الجنسين يكون ملزما لكلا القطاعين العام والخاص. ثانيا- مشروع منقوص وفي تراجع كامل مع وضع تونس في مجال حقوق الطفل تم يوم الاربعاء 1 أوت التصويت على الفصل 31 المتعلق بحقوق الطفل من قبل لجنة الحقوق والحريات بالمجلس الوطني التأسيسي. وقد كانت نتيجة التصويت 11 صوتا لصالح المقترح الأول الآتي نصه: « 1- حق الطفل على أبويه ضمان الكرامة والرعاية والتربية والتعليم والصحة. 2 على الدولة توفير الحماية القانونية والاجتماعية والماديّة والمعنوية لجميع الأطفال».
ولا نحتاج إلى تحليل معمق لإبراز مدى ضعف هذا الصياغة وافتقارها لأم المعاني والقيم التي تقوم عليها منظومة حقوق الطفل، بل وتراجعها مقارنة بالنصوص القانونية المكرسة حاليا في تونس ومن بينها خاصة مجلة حماية الطفل الصادرة بمقتضى القانون عدد 92 لسنة 1995 المؤرخ في 9 نوفمبر 1995 والمتضمن لجملة من المبادئ العامة التي كان بالإمكان الاستئناس بها وإثراؤها لصياغة نص يشتمل على أهم مكونات حقوق الطفل كما كرستها اتفاقية حقوق الطفل، والتي لم يهتد أعضاء لجنة الحقوق والحريات إلى ذكر أي منها، ومن بينها خاصة المبادئ التالية: (أ) الأطفال أشخاص أصحاب حقوق
خلا نص الفصل 31 من مسودة الدستور من ذكر أن الأطفال هم أشخاص أصحاب حقوق وأبقى بذلك في صيغته الحالية على المنهج التقليدي القائم أساسا على مجرد تلبية الحاجيات الأولية في «...الرعاية والتربية والتعليم والصحة»، وهو ما يتعارض مع منطوق اتفاقية حقوق الطفل التي وسّعت بشكل بارز دائرة حقوق الطفل توفيرًا لإطار أفضل يؤمن أهليته في التمتع بكافة حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المقررة في الصكوك الدولية لحقوق الإنسان عامة والمطابقة لوضعه، فضلا عن أهليته ككائن ضعيف البنية بدنيا وعقليا للتمتع بجملة الحقوق الخاصة به والهادفة إلى تأمين الرعاية والحماية اللازمتين له، بما في ذلك وقايته وحمايته من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو المعنوية أو الجنسية أو الإهمال أو التقصير أو غير ذلك من أشكال إساءة المعاملة والاستغلال.
كما خلا نص الفصل 31 من مسودة الدستور في صيغته الحالية من ذكر الالتزامات الأساسية التي تقع في المقابل على الدولة والتي يمكن حصرها في ثلاثة أصناف أساسية: الالتزام بالاحترام، والالتزام بالحماية، والالتزام بالتنفيذ.
الالتزام بالاحترام: ويفرض على الدولة عدم إعاقة التمتع بالحقوق المكرسة في اتفاقية حقوق الطفل وعدم إتيان أي عمل يمكن أن يشكل انتهاكا مباشرا من قبلها أو من قبل أية جهة رسمية تابعة لها.
الالتزام بالحماية: ويفترض أن تمنع الدولة انتهاك حقوق الطفل من قبل الغير. فالدولة بصفتها ملزمة رأسا تتعهد بنفس درجة الالتزام بفرض احترام حقوق الطفل من قبل الأشخاص الخاضعين لولايتها.
الالتزام بالتنفيذ: ويحيل بدون شك إلى قائمة أوسع بالتزامات الدولة، ويفرض عليها اتخاذ التدابير التشريعية والإدارية والقضائية ووضع آليات التنسيق وآليات الرصد والمتابعة المستقلة، وتخصيص الموارد اللازمة من الميزانية، وتعميم نشر ثقافة حقوق الطفل على نطاق واسع، وغير ذلك من الآليات والبرامج التي يتعين اتخاذها بهدف إدراج حقوق الطفل في منهجية وإجراءات العمل المتبعة في التطبيق من قبل مختلف الأجهزة العامة والخاصة العاملة مع الأطفال ومن أجلهم. (ب) عدم التمييز بين الأطفال
خلا نص الفصل 31 من مسودة الدستور من ذكر مبدأ عدم التمييز بين الأطفال المنصوص عليه صراحة بالمادة 2 من اتفاقية حقوق الطفل والقاضية بأنه «1- تحترم الدول الأطراف الحقوق الموضحة في هذه الاتفاقية وتضمنها لكل طفل يخضع لولايتها دون أي نوع من أنواع التمييز، بغض النظر عن عنصر الطفل أو والديه أو الوصي القانوني عليه أو لونهم أو جنسهم أو لغتهم أو دينهم أو رأيهم السياسي أو غيره أو أصلهم القومي أو الإثني أو الاجتماعي، أو ثروتهم، أو عجزهم، أو مولدهم، أو أي وضع آخر. 2 تتخذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة لتكفل للطفل الحماية من جميع أشكال التمييز او العقاب القائمة على أساس مركز والدي الطفل أو الأوصياء القانونيين عليه أو أعضاء الأسرة، أو أنشطتهم أو آرائهم المعبر عنها أو معتقداتهم».
ويمثل مبدأ عدم التمييز بين الأطفال مبدأ محوريا يحكم كل الحقوق المقررة للأطفال، وقد سبق للجنة حقوق الطفل أن أشادت في ملاحظاتها الختامية الصادرة في 11 جوان 2010، عقب النظر في جلستيها 1529 و1531، المعقودتين في 4 جوان 2010، في التقرير الدوري الثالث لتونس بخصوص تنفيذ اتفاقية حقوق الطفل، بما اتخذته الدولة «من إصلاحات تشريعية هامة في مجال حقوق الطفل»، غير انها أعربت عن قلقها «لأن الدولة الطرف لم تقدم أي معلومات عن التنفيذ الفعلي لهذه التشريعات وعن تأثيرها المباشر على الأطفال». كما لاحظت اللجنة بقلق «عدم انعكاس مبدإ عدم التمييز انعكاسا كافيًا في مجلة حماية الطفل، وعدم تطبيق الإطار القانوني الذي يتناول التمييز ضد الأطفال تطبيقًا كاملا في الواقع بالنسبة لفئات معينة».
وعلى صعيد آخر وبخصوص التمييز ضد الأطفال المولودين خارج إطار الزوجية، فقد أعربت اللجنة عن قلقها: «... إزاء استمرار هذا النوع من التمييز، شأنه شأن التمييز ضد الأمهات العازبات جراء المواقف الاجتماعية السلبية...». (ج) مصلحة الطفل الفضلى (المادة 3 من الاتفاقية) من بين أوجه القلق الأخرى التي يثيرها نص الفصل 31 من مسودة الدستور خلوه أيضا من ذكر مبدإ مصلحة الطفل الفضلى المنصوص عليها بالمادة 3 من اتفاقية حقوق الطفل في فقرتها الأولى والقاضية بأنه «في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال، سواء قامت بها مؤسسات الرعاية الاجتماعية العامة أو الخاصة، أو المحاكم أو السلطات الإدارية أو الهيئات التشريعية، يولى الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى».
ويمثل هذا المبدأ أيضا مبدأ محوريا يحكم كل الحقوق المقررة للأطفال، بل هو يعد منظومة أخلاق تقتضي ترجيح مصلحة الطفل الفضلى على كل الاعتبارات الأخرى، مهما كانت أهميتها ودرجة الاعتبار التي تحتلها ضمن منظومة التقاليد السائدة في المجتمع، ما يمكن لو تم إدراجه في الدستور من القيام بمراجعة دورية لجملة السياسات والبرامج والتدابير التشريعية وغيرها من المنظومات القائمة بهدف التأكد من موقع الطفل الحقيقي في صلبها. (د) احترام آراء الطفل والحق في المشاركة خلا نص الفصل 31 من مسودة الدستور أيضا من ذكر المبدإ العام المنصوص عليه بالمادة 12 من اتفاقية حقوق الطفل والقاضي بحق الطفل «...في التعبير عن آرائه الخاصة بحرية في جميع المسائل التي تمس الطفل»، وبأن تولي تلك الآراء «..الاعتبار الواجب وفقاً لسن الطفل ونضجه». كما خلا من ذكر حق الطفل في أن تتاح له، بوجه خاص، «...فرصة الاستماع إليه في أي إجراءات قضائية وإدارية تمس الطفل...».
وأساس هذا المبدإ المحوري أن الأطفال أصحاب حقوق ولهم أهلية التمتع بكافة الحقوق المقررة لفائدتهم في الأسرة والمجتمع وفي المشاركة الكاملة في مختلف أوجه الحياة الأسرية والاجتماعية وفي إبداء الرأي في جميع القرارات الخاصة بوضعهم، بدلا من اعتبارهم أشخاصا تتخذ القرارات بشأنهم.
وإن إقرار هذا المبدأ في الدستور من شأنه أن يعزز التدابير التشريعية وأن يساعد في وضع السياسات والبرامج الكفيلة بالقطع مع الوضع الراهن والذي اختارت الجمعية التونسية للدفاع عن حقوق الطفل التعبير عنه من خلال ندوتها التي نظمتها يوم 14 مارس 2012 بعنوان »الطفل مواطن صامت» (« L'Enfant, Citoyen silencieux »)!
ومن ثم، يكون مخالفا لجوهر الثورة وأهدافها، لو أبقي على الصياغة الحالية للفصل 31 من مسودة الدستور، في حين ينبغي أن يكون الأطفال والشباب الأول من يستفيد من مجال الحرية والتعبير الديمقراطي الذي يفتح تدريجيا أمام المجتمع بأكمله! وإن إدراج هذا المبدإ الأساسي في الدستور يساهم في المقابل في تهيئة بيئة داعمة للأطفال تتيح لهم الاشتراك الكامل في وضع مفهوم السياسة العامة وتصميمها وتنفيذها وتنسيقها ورصدها.
ومن ثم أيضا وحتى تتمكن الثورة التونسية في هذه الفترة الانتقالية من رسم مسارها ومن إعطاء مثال لما يستطيع أن يقوم به شعب، بناء على رغبة الشباب، من أجل جعل الثورة ترسم أهدافها إلى الأبد على طريق الحرية والكرامة، فمن المقترح إعادة صياغة الفصل 31 من مسودة الدستور على النحو الذي يختزل جملة المبادئ والقيم المذكورة أعلاه، وذلك على النحو التالي: توصية عدد 2: النص المقترح للفصل 31 من مسودة الدستور: « 1 الأطفال، دون أي نوع من أنواع التمييز، أصحاب حقوق تلتزم الدولة باحترامها وتسهر على حمايتها وإعمالها بالنسبة لجميع الأطفال الخاضعين لولايتها، وذلك باعتماد كافة التدابير التشريعية والآليات والبرامج، بما في ذلك آليات الرصد والمراقبة المستقلة. 2 في جميع الإجراءات التي تتعلق بالأطفال، سواء قامت بها مؤسسات الرعاية الاجتماعية العامة أو الخاصة، أو المحاكم أو السلطات الإدارية أو الهيئات التشريعية، يولى الاعتبار الأول لمصالح الطفل الفضلى. ويراعى، علاوة على حاجيات الطفل الأدبية والعاطفية والبدنية، سنه وصحته ووسطه العائلي وغير ذلك من الحالات الخاصة بوضعه. 3 تتاح للأطفال وبخاصة منهم المراهقين والشباب، إناثا وذكورا - فرص المشاركة الفاعلة في جميع أوجه الحياة الأسرية والاجتماعية، ويكون للطفل القادر على تكوين آرائه الخاصة حق التعبير عن تلك الآراء بحرية فى جميع المسائل التى تمسه، وبخاصة فى أية إجراءات قضائية وإدارية تتعلق به، ويكون لآرائه الاعتبار الواجب وفقا لسنه ونضجه. 4 تكفل الدولة حق الطفل في الحياة والبقاء والنمو وفي التمتع بمختلف التدابير الوقائية، ذات الصبغة الاجتماعية والتعليمية والصحية، وبغيرها من الأحكام والإجراءات الرامية إلى حمايته من كافة أشكال العنف أو الضرر أو الإساءة البدنية أو المعنوية أو الجنسية أو الإهمال أو التقصير أو غير ذلك من أشكال إساءة المعاملة والاستغلال. 5 تكفل الدولة حق الطفل الذي تعلقت به تهمة فى نظام قضائي خاص في كافة أطوار التتبع والمحاكمة وتنفيذ الأحكام وفي معاملة تتفق مع سنه وتحمي شرفه وكرامته وتيسر إعادة إدماجه وقيامه بدور بناء في المجتمع. ولهذا الغرض تعطى الأولوية للوسائل الوقائية والتربوية ويجتنب قدر الإمكان الالتجاء إلى الاحتفاظ وإلى التوقيف الاحتياطي وإلى العقوبات السالبة للحرية وخاصة منها العقوبات قصيرة المدة».
بقلم حاتم قطران (أستاذ بكلية العلوم القانونية و السياسية والاجتماعية بتونس نائب رئيس لجنة حقوق الطفل بمنظمة الأممالمتحدة)