«وشاورهم في الأمر» (سورة آل عمران 159) توجيه رباني لمحمد؛ نبي آخر الزمان، بأن يعتنق مبدأ الشورى في حياته، وهذا ما كان عليه النبي بالفعل. رغم مكانة النبي عند ربه ومكانته بين أصحابه، إلا أنه كان يشاور من حوله دوما في مختلف الأمور. لم يكن يأخذ برأيه فحسب، بل كان يقدم رأي من حوله على رأيه لو اتفقت عليه الأغلبية، ولو كان هذا الرأي لصالح الأمة. وأوضح دليل على ذلك كلمة النبي المشهورة: «أشيروا عليَّ أيها الناس.» حين أراد الخروج إلى غزوة بدر، قال المقداد بن عمرو بكلمات خالدة: امض بنا يا رسول الله لما أمرك الله، والله لا نقول لك كما قال بنو إسرائيل لموسى: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون. ولكن نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون. فاستبشر النبي خيرًا، وتوجه إلى الأنصار يطلب رأيهم، فنطق سعد بن معاذ -رضي الله عنه- بأعظم كلمات، بايع فيها الله ورسوله على التضحية من أجل دين الله. قال سعد: امض بنا يا رسول الله، فوالله لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، إنا لصُدقٌ في القتال، صُبُرٌ في الحرب، ولعل الله يريك منا ما تقرُّ به عينك. فزاد فرح النبي واستبشاره، فانطلق بأصحابه ليقاتل أعداء الإسلام في غزوة بدر الكبرى. (تاريخ الطبري).