وكم من مجالس دينية كانت في القديم تخصّص لوداع رمضان بالأسى والحنين، هو وداع أيام وليال تغفر فيها الذنوب، ويتجلّى اللّه تعالى فيها بإكرام الصائمين بالزجر الموفّى، وقد بيّن أحد المتصوّفة معاني حروف رمضان فقال: رمضان خمسة حروف الرّاء رضوان اللّه، والميم محاباة اللّه، والضاد ضمان اللّه، والألف ألفة اللّه، والنون نور اللّه. فالمتصوفة قد جزعوا لمضيّ هذا الشهر الكريم، ولنا عديد القصائد يودّع فيها الشعراء رمضان بالأسف والبكاء، شهر أنزل فيه القرآن، وفيه ليلة من قامها محا اللّه عن الصائم بفضله كلّ ذنوبه، وما اقترفه من آثام، وهو شهر الفضائل والمزايا، شهر المسرّة والخير والصفاء والسعادة وجمال النفس. ومن النصوص الشعرية المخطوطة عن وداع رمضان قول بعضهم:
ترحّل شهرُ الصوم عنّا مودعا وقد ملئت من كلّ برّ حقائبه وجاءنا شهر الفطر واليمن والمُنى تزجيه، والجدّ السعيد يواكبه إنه شهر أنيس قد مضت أيامه متلألئة زاهرة، شهر قد جمع الأمانة والصيانة والتّقى والفوز والبرّ والسعادة! فلرمضان طعم خاص، ومناخ فريد من نوعه، إنه جوهرة الشهور، ولؤلؤة العقد، ونجم الحظّ الوافر، إنه شهر الأخوة والصداقة، والعفو والغفران، والحلم والأحلام المحقّقة إن شاء اللّه. تعجّ النفوس لوداعه شتّى المشاعر، وتعتلج فيها كثير من الخواطر والأفكار، مرتبطة كلّها بليلة القدر وإشعاعها العظيم.