كثيرا ما ذكر الفقهاء والحكماء الأخلاق دون أن يحددوا ماهيتها فبعضهم يشخصها من خلال صفة، والآخر من خلال آية قرآنية أو حديث نبوي شريف ويفسرونه بمظهر من مظاهر السلوك، وقد يصل مدلوله أحيانا عند الحكماء إلى ما يسميه أفلاطون «مثالا» وفي هذا الصدد يقول حنا الفاخوري وخليل الجر:«أفلاطون يذهب إلى أبعد من اعتبار المثال أو الصورة هي مجرد فكرة ذهنية» وهي نظره جوهر،و هذا ما يجعلها ثابتة (تاريخ الفلسفة العربية، حنا الفاخوري وخليل الجر، دار المعارف، بيروت، جزء1-ص72) فماهو مدلول الأخلاق إذن؟ وكيف يمكن أن نخرج به من المعنى المجرد إلى الصورة المحسوسة والمجسمة في سلوك الإنسان كلاما وفعلا حتى لا يبقى مجرد حلم أو خيال شاعر؟ إن لسان العرب لابن منظور يقدم لنا آيات قرآنية وأحاديث نبوية يحاول بها تفسير مدلول الأخلاق إلى جانب شواهد لغوية كثيرة من الأدب شعرا ونثرا، ومما يلفت النظر، أن المؤلف يقول:« وفي التنزيل وإنك لعلى خلق عظيم»(القلم: الآية 4)، والجمع أخلاق ويقال الخلق السجية وخالق المؤمن وخالق الفاجر وفي الحديث:«ليس شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق»(رواه البخاري ومسلم)...
وهو الدين والطبع والسجية. وحقيقة الأخلاق أنها لصورة الإنسان الباطنة وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها بمنزلة الخلق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها:« ولها أوصاف حسنة وقبيحة والثواب والعقاب يتعلقان بأوصاف الصورة الباطنة أكثر مما يتعلقان بأوصاف الصورة الظاهرة » (لسان العرب لابن منظور).
و يقول سلطان محمد:« الخلق ملكة في النفس يطرد عنها صدور الأفعال، فلا تكون الشجاعة خلقا إلا إذا كانت راسخة في نفس من اتصف بها، فلا يتأخر في موضع الإقدام ولا يتقدم في موضع الإحجام، وكذلك صفة الحلم وغيرها من الأخلاق الفاضلة »( انظر الفلسفة العربية والأخلاق لسلطان بك محمد،ج2-ص11).
ويقر علم النفس الاجتماعي أن هذه الصفات لا تخرج عن كونها أحوالا إلى كونها ملكات إلا بكثرة تمرين النفس عليها، وأخذها بها في مواقعها حتى تعتادها وتصير كأنها غريزةفيها. وذهب البعض من علماء الأخلاق إلى أنها جبلّة. وذهب آخرون إلى غير ذلك، إنما ينمو فيه خلق الفضيلة بإتباع وسائله من التربية والتهذيب، ومصاحبة الأخيار واستعمال الرؤية والفكر، وخلق النقيصة بإتباع سبله من مصاحبته الأشرار وإهمال التربية والتهذيب والانقياد للنفس الشهوية أو الغضبية {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم}.