ولد المؤرخ والمصلح احمد بن أبي الضياف في بداية القرن الثامن عشر للميلاد (1804م) (أوائل القرن 13 ه) بتونس العاصمة في رعاية ابيه الحاج بالضياف الذي كان شديد العناية بتكوينه والسهر على حسن تنشئته وفق طرق العصر ومتطلبات المحافظة على انتمائه الى أسرة وثيقة الصلة بالعلم والمعرفة فأخذ عن أشهر علماء عصره امثال الشيخ التميمي ومحمد البحيري عبد الستار ومحمد بيرم الثالث وسيدي ابراهيم الرياحي وأحمد بن الخوجة والشيخ المناعي وابن ملوكة. واستهل حياته المهنية بالاشهاد «حيث انه عيّنه الباي حسين بخطة العدالة وعمره دون العشرين سنة فتصدر لها بالحاضرة جليسا لشيخه واستاذه محمد المناعي الىجانب توثيق صلته باستاذه القاضي محمد البحيري بن عبد الستار يحرر له بعض الوثائق التي كان القاضي في حاجة الى سرعة انجازها.
وكان ذلك أحد أسباب شهرته ككاتب بارع دفع الباي الى جلبه الى القصر وأولاه كتابه سره والحقه بكتابه وزيره الشهير شاكر صاحب الطابع على كره من أبيه وذلك سنة 1242 ه الموافق ل 1827م. وظل ابن ابي ضياف يترقى في الخدمة الى أن صار أمين لواء وتقلد نيشان الافتخار سنة 1849 وتواصل عمله مع محمد باي ثم مع الصادق باي بنفس الاخلاص والتفاني في الخدمة فكان حاضرا في المهمات والظروف الصعبة كتلك التي حفت بصدور عهد الأمان وكان من تحريره الى أن اعتزل الوظيفة لأسباب صحية فلزم بيته وتفرغ لكتابة تاريخه ابتداء من شهر جانفي 1872 حيث يقول في مقدمة الاتحاف» لا سيما والشبيبة ولت والقريحة كلت والقوى ألقت ما فيها وتخلت.
ولم تطل حياته بعد ذلك فقد فارق الحياة في شهر اكتوبر 1874 تاركا وراءه عملا جليلا أهله كي يكون من أكابر الاعلام والمصلحين.
ابن أبي الضياف المؤرخ
كتابه «اتحاف أهل الزمان بأخبار ملوك تونس وعهد الامان» يعد كنزا ثمينا إذ يعتبر خير اثر وأصدقه في التعريف بحال العصر وتصوير نواحيه الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية وقد ساعده على ذلك تفرغه له في أواخر حياته بعد ان عايش الكثير من أحداث الدولة في مباشرته لشؤون الحكم وسياسة الباي فكان الخبير بالحاضر المطلع على خفايا الماضي والقادر على تخليص الحق من الباطل والصحيح من الزيف.
ابن أبي الضياف المصلح
من السهل الوقوف على مظاهر الاصلاح عند ابن أبي الضياف في تاريخه الذي لا تكاد تمضي في قراءته بعض الوقت حتى تطالعك استنتاجاته اللامعة مستمدة من فكرة اصلية وأساسية قوامها ان الشورى أساس العمران وان العدل أساس العمران وان العمران قاعدة الحكم.