لم يشهد برنامج الأسبوع الأخير لمهرجان سوسة تميزا لافتا للانتباه ما عدا عرض زاهر الزرقاطي في الموسيقى الغربية والذي عكس موهبة رفيعة المستوى في هذا المجال أبهر الجمهور الحاضر من خلال أدائه لأغاني بعض عمالقة الفن الغربي. كان ذلك في سهرة خصصها للأغاني الناجحة في فترة الثمانينات لبعض عمالقة الفن الغربي «ستيفي وندر»، مايكل جاكسون، يوتوب.
رغم صبغة الارتجال التي طبعت برنامج حفلها لحرصها على التفاعل مع اختيارات واقتراحات الجمهور الغنائية فإن آمال ماهر أكدت بحضورها وقدراتها الصوتية واختياراتها الفنية أنها واحدة من الاستثناءات القليلة في الوسط الفني العربي في ظل انتشار الفقاقيع الموسيقية وتركت لجمهور سوسة ذكرى تتمثل في مقطع من أغنية قالت أنها ارتجلتها في طريقها إلى المسرح تتغنى فيها بجوهرة الساحل كررت فيها جملة واحدة «سوسة سوسة كل من يصفقلي اعطيلو بوسة» لكن لم تنفذ وعدها .
بقدر ما عكس عرض «الزردة» للفنان عبد الكريم الباسطي اجتهادا متفاوت القيمة الفنية - وخاصة على مستوى تصوّر العرض وجمعه لأنماط صوفية متعدّدة خطف فيها الأضواء المطرب نور الدين الباجي والذي أطرب الحاضرين وأكد بدوره أنه من المطربين الذين يتقنون أداء مختلف الأنماط الموسيقية - فإن بندير مان رغم اجتهاده في التنشيط فإن عرضه كان باهتا بسيطا في طرحه استسهل فيه المضمون الفني لحنا وكلمة ليركز على شكليات وجمل بسيطة لا تحمل اجتهادا بقدر ما هي استخفافا وتهكما من بعض الشخصيات والأشخاص وإن حركت الأحزمة للرقص والضحك فإن العقول بقيت تنتظر في العمق الفني الذي يجب أن يشتغل عليه بنديرمان حتى لا يبقى مجرّد ظاهرة قد تزول في أي وقت ممكن.
عرض «مسيّس»!!!
فرقة «ولاد المناجم» كانت حاضرة لأول مرة في مهرجان سوسة ولكن تفاجأت بالعدد الضئيل للجماهير والذين حوّلوا العرض إلى شعارات سياسية تندد بالحكومة وتدعو إلى التشغيل وذلك بحضور شبان جمعية أصحاب الشهائد المعطلين عن العمل وأنصار حزب العمال وتأقلمت الفرقة مع الأجواء المحيطة وأدت أغانيها المعتادة والتي عكست فترة من النضال ولئن اقترنت بفئة عمال المناجم فإنها تمثل تضامنا مع الطبقة الكادحة أينما كانت. لا يشك اثنان في القيمة الفنية للفنانين لطفي بوشناق ودرصاف الحمداني وزياد غرسة وهو ما جمعهم ولكن في حفلاتهم بمهرجان سوسة جمعهم شيئ آخر وهو تخصيصهم فترة زمنية ضئيلة لما عرفوا به من طربيات وأدوار وموشحات حيث انطلقت حفلاتهم بما يطرب الأذن وثلاثة أرباع الوقت خصصوها لتحريك الأحزمة واجترار أغاني إيقاعية والانخراط في أجواء الأعراس، فإن عبر بوشناق عن استغرابه من مطالبة الجمهور منذ الثلث الأول من الوقت بأغان مستهلكة فردّ مفسّرا اختياراته الفنية في الحفل بما يطرب الأذن فإن زياد غرسة منذ انطلاق الحفل توجه للجمهور قائلا « أتركوا لي 35 دقيقة نريد أن نتسلطن فيها ثمّ أغني لكم كل اقتراحاتكم « وبالفعل كان غرسة عند وعده واستجاب إلى طلبات فئة من الجمهور وتحول المسرح إلى صخب وأجواء أعراس بامتياز! كذلك الشأن بالنسبة لدرصاف الحمداني ولو بنسبة أقلّ حيث خصصت كامل حفلها لأغاني ما أسمتهم «أميرات الطرب» ولكن انحرفت عن الطرب في الثلث الأخير من حفلها لتستجيب لطلبات فئة صغيرة من الجمهور رغم ضعف حضوره.
«مايد إن تونيزيا»، زنقة النساء» و«كيف ما يرجع الفرططو» كانت عناوين للبرمجة المسرحية في هذه الدورة في ظل تواجد أعمال أخرى لم تزر سوسة ولكن بقيت وكأنها مقصية من الحضور خاصة وأن ما قدم لم يستجب لانتظارات جمهور الفن الرابع حيث كانت مجرد أعمال «تنشيطية مسرحية» اعتمدت على نكت ومواقف تجاوزها المسرح الكوميدي.