قبل 60 يوما من حلول 23 أكتوبر 2012 بدأت عدة أصوات تتعالى متحدّثة عن انتهاء شرعية السلطات القائمة حاليا وانتهاء التفويض الممنوح للمجلس التأسيسي لإعداد الدستور وللحكومة لإدارة المرحلة الانتقالية. فهل من الممكن الحديث عن انتهاء الشرعية من الناحية القانونية؟ تتحدّث عدة أطراف من المعارضة عن أنّ الحكومة الحالية ستفقد شرعيتها بحلول 23 أكتوبر المقبل، وكان الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي أوّل من أشار إلى هذا الامر في رسالته الاولى التي أصدرها في جانفي الماضي وكانت منطلقا لمبادرته التي انتهت بتشكيل حزب حركة نداء تونس، حيث اعتبر السبسي أنّ أمام السلطات الحالية مهلة بسنة تنتهي في 23 أكتوبر 2012 لإعداد الدستور وتنظيم الانتخابات وتسليم السلطة للحكومة القادمة.
التزام أخلاقي
ولكن من الناحية القانونية لا شيء يُلزم المجلس التأسيسي بإنهاء عمله في 23 أكتوبر المقبل بما أن قانون التنظيم المؤقت للسلط العمومية ينص في فصله الأول على ما يلي «يتم تنظيم السلطات العمومية بالجمهورية التونسية تنظيما مؤقتا وفقا لأحكام هذا القانون الى حين وضع دستور جديد ودخوله حيز التنفيذ ومباشرة المؤسسات المنبثقة عنه لمهامها.»
وقد سعت أطراف في المعارضة خلال مناقشة ذلك القانون إلى إقناع الأغلبية بضرورة التنصيص على أن عمل المجلس التأسيسي يجب أن ينتهي في حدود سنة قابلة للتجديد مرة واحدة لمدة 6 أشهر لكن الأغلبية صوتت في الأخير على النص بصيغته المذكورة آنفا والتي لا تحدّد مدة زمنية لعمل المجلس وللتفويض الممنوح له لإعداد الدستور والقيام بالمهام التشريعية.
وتستند المعارضة في مطالبتها بضرورة تحديد جدول زمني لعمل المجلس والإصرار على أنّ 23 أكتوبر هو موعد انتهاء شرعية السلطة القائمة إلى الاتفاق الذي وقعه 11 حزبا بينها حركة النهضة وحزب التكتل وأحزاب أخرى في صف المعارضة اليوم (ولم يمض حزب المؤتمر على الاتفاق) والذي يُعرف بوثيقة الانتقال الديمقراطي الموقعة في سبتمبر 2011 أي قبل شهر من إجراء الانتخابات وفيها التزام من الأطراف الموقعة بإعداد الدستور في غضون سنة وإنهاء عمل المجلس والمرحلة الانتقالية الثانية عبر تنظيم انتخابات ونقل السلطة.
وقد حرص رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر على طمأنة مختلف الأطراف السياسية بإعلانه مرارا أن الدستور سيكون جاهزا في 23 أكتوبر 2012 لكن هذا الموعد يبدو غير نهائي، بل يذهب البعض إلى اعتبار أن من المستحيل المصادقة على الدستور بحلول هذا الموعد لأنّه سيُناقش فصلا فصلا قبل التصويت عليه برمّته، وإن لم يحظ بموافقة الثلثين سيكون من الحتمي عرضه على استفتاء شعبي، وثمة تكمن خطورة التأخير بأشهر طويلة، لأن الاستفتاء يتطلب إعدادا لوجستيا لا يقل عن شهرين حسب تأكيدات أستاذ القانون الدستوري شفيق صرصار، فضلا عن احتمال التصويت ب «لا» الذي قد يسبّب حالة من الفوضى والإرباك والانتكاس عن المسار، وهذا ما حذّر منه الأستاذ عياض بن عاشور.
مشكل سياسي
وقال أمين عام الأكاديمية الدولية للقانون الدستوري غازي الغرايري إنه يوم 24 أكتوبر القادم إن لم يتم إصدار دستور نهائي فسيكون هناك مشكل سياسي وأخلاقي أكثر منه قانونيا.
وأوضح الغرايري أنه «إذا وصلنا إلى هذا الموقف فإن الأحزاب الممضية على وثيقة الانتقال الديمقراطي تكون قد خالفت التزاماتها أمام الشعب، وهذا أهم من الالتزام القانوني.
وأضاف الغرايري «نحن اليوم إزاء معادلة جديدة بين الحاكم والمحكوم، وإذا ما فشل الحاكم في أول التزام فهذا يطرح مشكلة ثقة بينه وبين المحكوم». وفي السياق ذاته قال الأستاذ شفيق صرصار إنه لا يمكن الحديث عن انتهاء الشرعية ولكن المشكل يُطرح على مستوى المشروعية أي مدى قبول المواطن ودعمه للحكومة بعد موعد 23 أكتوبر 2012، معتبرا أنه من الممكن تدعيمها عبر إعطاء إشارات واضحة ورسائل طمأنة.
وأكّد الأستاذ صرصار أنّ «أمامنا اليوم مسألتان أساسيتان هما تقديم مسودة للدستور لمناقشتها وضبط رزنامة واضحة يجب أن يلتزم بها جميع الأعضاء». وتتهم المعارضة الائتلاف الحاكم بالتلكؤ في وضع رزنامة واضحة وخارطة طريق لعمل الحكومة والمجلس التأسيسي وخصوصا بالتباطؤ في بعث الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ووضع قانون انتخابي.
ويتزايد القلق بشأن مشروعية الحكومة بعد 23 أكتوبر القادم مع تزايد الانتقادات لأدائها وعدم ظهور مؤشرات واضحة ومطمئنة عن المضي بمسار الانتقال الديمقراطي في الاتجاه الصحيح.