متابعة لما انفردت «الشروق» بالسبق في نشره حول ما جد بمعتمدية قبلاط مؤخرا اثر انهيار مستودع بضيعة فلاحية كان قد احتمى به 19عاملا فلاحيا من وابل الأمطار فهلكت شقيقتان على عين المكان ونقلت اثنتان إلى قسم الإنعاش. الوصول على متن سيارة إلى الحي السكني الذي تقطنه الأرملة جميلة الهمامي لم يكن بالأمر الهين فالأمطار الخفيفة تعزل هذا الحي الواقع بمنطقة «العقلة» من معتمدية قبلاط عزلا كليا عن الطريق الرئيسية وبالتالي عزلها عن الحياة فلا العامل يمضي إلى عمله ولا التلميذ ينصرف إلى مدرسته...لذلك وحال وصولنا إلى منزل الهالكة جميلة روى لنا أبناؤها وجيرانها تفاصيل المعاناة التي لقوها لإتمام مراسم الدفن سيرا على الأقدام ما بين البيت والمقبرة وتخفيفا لهذه المعاناة تم الاتفاق بين عائلتي الفقيدتين جميلة وشقيقتها مبروكة على موكب دفن واحد يعني الانطلاق بهما من منزل واحد وليس كل واحدة من منزلها ...معاناة شاركهم فيها والي باجة عندما أدى زيارة في الغرض إلى منزلي الضحيتين واستعصى عليه الوصول بسيارته إلى منزل جميلة فاستنجد بسيارة الحرس الوطني.
تفاصيل الواقعة
ما اتفق عليه صاحب الضيعة مع العاملة زنيخة المناعي حول تفاصيل الحادثة أنّ 14عاملة فلاحية عرضية و5عمال قد أنهوا عملهم الفلاحي بضيعة السيد عبد العزيز الحمدي بدوار اسماعيل ففاجأهم المطر وهو ما دفع بصاحب الضيعة إلى الإسراع إليهم بشاحنته. ومع ازدياد المطر غزارة وتزامنا مع الرياح القوية عرج صاحب الضيعة بالشاحنة إلى مستودع حديث التشييد جدرانه بالآجر وسقفه صفائح زنك..وحال إدراكهم فضاء المستودع أكد محدثانا أن الظلام قد أطبق على المكان ولم يعد أحد يرى الآخر ولا يفهم ما يجري بعد اختلاط الأصوات بين وقع الأمطار على صفائح الزنك وانهيار هذه الصفائح وأحد جدران المستودع...فهناك من احتمى بأكياس القمح أما جميلة وشقيقتها مبروكة فشاء القدر أن تكونا على مقربة من أحد الأعمدة الإسمنتية الذي وقع عليهما فأرداهما قتيلتين على عين المكان وهو ما تفطن إليه بقية المتواجدين في المستودع بعد أن هدأت العاصفة وأجرى الجميع عملية تفقد لبعضهم البعض.. ثم حلّ أعوان الحماية المدنية والحرس الوطني على عين المكان وتم انتشال جثتي مبروكة وشقيقتها جميلة من تحت الأنقاض وعاملتين أخريين كانتا في حالة خطيرة تم نقلهما على جناح السرعة إلى المستشفى الجهوي بباجة حيث أقامتا بقسم الإنعاش. الضحية جميلة الهمامي تبلغ من العمر 49سنة أرملة توفي زوجها منذ 4سنوات وتركها رفقة 3ذكور وأنثى واحدة يعانون كلهم البطالة والخصاصة وقساوة العيش وأما الضحية مبروكة فتبلغ من العمر 59 سنة رحلت وهي التي كانت تعيل زوجها محمود النصري الذي وجدناه حال وصولنا إلى منزله بين جهازين الأول للتنفس والثاني لتشغيل الكلى وحوله 4ذكور وأنثتان هم أبناؤهما لا تقل معاناتهم عن معاناة أبناء خالتهم جميلة بطالة وخصاصة.
ماتت والدتي والقضاء لم يبت في وفاة والدي
رمزي هو أحد أبناء الضحية جميلة وقد حدثنا بعيون دامعة وقلب دام عن وفاة والدته التي رجاها ليلة الواقعة ألا تذهب إلى العمل من الغد وكيف أن والدته غادرت المنزل صباحا ثم عادت إليه في مناسبتين لم تتمكن خلالهما من إدراك سيارة الأجرة ولم يكتب لها ذلك إلا في المرة الثالثة ...ثم عادت الذاكرة برمزي إلى 4سنوات خلت عندما فقد والده بمستشفى الرابطة وعلم حينها أن الوفاة مسترابة إثر خطإ في الحقن وقد رفع قضية في الغرض وإلى اليوم لم يقع البت فيها وها قد أدركتها قضية والدته التي توفيت في الظروف المذكورة وهي التي لا تتمتع بتأمين ولا تغطية اجتماعية باعتبارها عاملة فلاحية عرضية .
رأيت في أحلام اليقظة صاعقة تدرك والدتي
درصاف إحدى بنات الضحية مبروكة حدثتنا عن صاعقة رأتها في أحلام اليقظة تدرك والدتها وحدثت بذلك ابنها لحظات قبل وصول خبر الوفاة ...كما لم تمنع الواقعة الأليمة درصاف من ان تحدثنا عن ظروف العيش الصعبة بالمنطقة خصوصا ومعتمدية قبلاط عموما
أحمّل المقاول كامل المسؤولية
الحادثة ورغم طبيعتها لم تخلف حقدا بين صاحب الضيعة وأبناء الضحيتين فقد انتقلنا جميعا إلى الضيعة المذكورة والتقينا هناك صاحبها الذي اكد في حديثه إلينا أن المسألة قضاء وقدر ويحمل المقاول المكلف ببناء المستودع كامل المسؤولية باعتبار أن البناء تم بترخيص قانوني ووفق مثال وتصميم مؤشرين أيضا قانونيا ...وفي نفس الوقت لم يخف محدثنا استعداده اللامشروط لتقديم يد العون إلى عائلات الضحيتين بقدر المستطاع.
بقايا أدباش الضحيتين
ونحن نتأهب لمغادرة الضيعة الفلاحية استوقفنا مشهد عاد بنا إلى بداية الرحلة إذ عثر رمزي ابن الضحية جميلة تحت الأنقاض على بقايا أدباش والدته وخالته ..آنية الأكل وحذاء ولحاف قفة ملطخة بالدماء ..وكان ذلك كافيا ليستعيد رمزي وبقية الحضور تفاصيل الواقعة مما أدمع العيون وعصر القلوب .
مجرد إشاعة
ونحن في طريق العودة بلغنا نبأ ارتفاع عدد الضحايا إلى ثلاثة بعد أن لقيت إحدى المقيمتين بقسم الإنعاش بمستشفى باجة حتفها متأثرة بجروحها وهي سيدة أصيلة ولاية القصرين دفعتها الظروف إلى التحول إلى معتمدية قبلاط للإنخراط في العمل الفلاحي العرضي بحثا عن لقمة العيش لها ولعائلتها.