في لقائي الوحيد به بالقصرين في احدى ملتقياتها الأدبية وهو ملتقى القصة العربية الذي لم نعد نسمع عنه الكثير منذ أعوام وتحديدا في يوم14افريل 2000سلمني الكاتب الراحل بوراوي سعيدانة نسخة من كتابه القصصي «مزالق المهالك» ونبهني إلى أن لا ضرورة للكتابة عن هذا الكتاب غير المرغوب فيه من طرف النظام اتقاء لشر البلية لما فيه من وخزات حادة في ظهر النظام السابق... كان بوراوي يومها يهدي كتابه لمجموعة من الأدباء سرا... كان الكتاب ساخرا من الوضع السياسي والتقى في صفحاته القلم بالمحظور والممنوع بشكل لم نشهده عند الأغلبية الساحقة من كتاب البلد... وهو ما نشتم رائحته منذ العتبات... وتفوح هذه الرائحة من السطور الأولى وتحديدا من صفحة العنوان الذي أضاف إليه «مفارقات قصصية» متجاوزا بذلك التسمية التقليدية التي نستعملها «مجموعة قصصية» ولكن الأمر لا يقتصر على هذا الجانب الشكلي والفني فالكاتب قد عبأ كتابه بعبارات وحكايات الرفض والسخرية من المشهد السياسي المكبل في البلد ملتقطا بذلك أهات كتمها التونسيون طويلا ولعله كان من المبادرين بالتعبير عنها فكريا فكتابه صادر سنة1998عن دار سحر ولعلنا ندرك ذلك مثلما أسلفت بداية من العتبات. 1 العنوان: العنوان مركب أضافي موحي حتى ولو استغنينا عن أحد مكونيه(مزالق المهالك) وهو محيل على الهلاك والخطر ويوحي بمصير ما ينتظر شخوص القصص وما اعتماد كلمة المهالك وهي في صغة الجمع إلا محاولة لإبراز هذا الهول الذي بان في نهاية العمل أنه الواقع السياسي في تونس... وقد كتب بوراوي سعيدانة على غلاف الكتاب كلمات حاول خلالها اختزال مضامين هذا الكتاب فيها مزيد من الهول والغضب حيث قال «هذا الكتاب مزالق المهالك فيه من الذم والثلب ما يؤذي السمع ومن الحزن والأسى ما يدمع العين ومن المفاسد والرذائل ما يندى له الجبين ومن الفسوق والمجون ما يخجل الوطن والموطون...وقد يعتقد بعض قراء هذا الكتاب ان وجدوا أنهم معنيون بالأمر من قريب أو من بعيد...إلا أنني لا أنفي ذلك ولا أقر به حتى لا أكون تحت طائلة التبعات التي لا تفرح ولا تحزن...». 2 الإهداء: يبدو الإهداء غاضبا ومتوترا وحاملا لرسائل وإشارات عديدة فثمة إشارات لما تعرض له الكاتب من مؤامرات وعراقيل وإلى ما تشهده البلاد من ظواهر مثل التذيل للسلطة والحكام وادعاء البطولة والتكالب على المادة وقد ورد هذا الإهداء كما ستطالعون بلهجة تهكمية ساخرة خرجت بالإهداء من نص لين مهدى تقديرا ومحبة وتبجيلا كما جرت العادة إلى نص مشاكس متحدي حيث يقول «إلى كل من ترك العمل وعانق الكسل... إلى لاعقي الأقلام والمتمرغين على عتبات الأسياد... إلى الأبطال المزيفين وعبدة الدينار ومن لف لفهم.... أهدي هذا العمل لا عفا الله عنهم أجمعين وانا لهم لمن العاذلين». 3 التمهيد والفاتحة: يبدو الكاتب في هذين البابين منبريا للدفاع عن منهجه وأسلوبه في الكتابة ففي التمهيد يلمح إلى الجانب السيئ والشرير في شخصياته مصرا على هذا الجانب «... إلى الذين يطالبونني بالحديث عن الأبطال من زوايا متعددة مذكرين إياي بأن الإنسان ليس شرا محضا أو خيرا محضا... أقول لهم وأنا في حالة صحو لم أشرب مسكرا ولم أتناول مخدرا: ما يهمني من خير لم يصبني إلا شره» كما يتحدث في فاتحة الكتاب عن أهمية الكتابة الشجاعة مشبها الخائف منها بالخائف من الموت وقائلا «الخائف من الكتابة كالخائف من الموت ونتيجتها واحدة...إن كتب خاف وان لم يكتب مات...». ويضيف ساخرا ومتحديا «قد يكون ما ورد في هذا الكتاب رذالة مكشوفة أو مجرد شعوذات كلامية لا مستقر لها إلا أنه من أصول قليلي الأدب مراعاة الذام للمذموم والهجاء للمهجو فلا شتيمة تؤذي ولا سب يزري ولا قذع يفني...». إن هذه العتبات على اختلافها تمهد لعمل سردي يضم أربعة عشر نصا قصصيا ويعج بالنقد السياسي والاجتماعي والثقافي فكانت نصوصا مزدحمة بالرفض والسخرية وكانت مزيجا من المرارة التي يشعر بها الفرد والهزل الذي يخطه القلم محاولا ابتكار الأساليب وتجديدها. هامش في انتظار العودة من باب فتح شهية القارئ وفي انتظار الغوص في مضامين القصص وأساليبها أختار من القصة الأولى هذا المقطع: «روى لنا أحد الفاسقين عن فاسق مثله أو أقل منه قال: إذا استتب الأمن في بلد ما فاعلموا أن سلطانها جائر....» يتبع