تعرضت أغلب وسائل الاعلام على امتداد اليومين الفارطين الى الحادثة التي عرفتها منطقة العمران التابعة لمنزل بوزيان (سيدي بوزيد) والتي تمثلت في احتجاز طاقم التحكيم الذي كان متجها الى قفصة لإدارة لقاء القوافل ومستقبل المرسى. الروايات تعددت واختلفت نسبيا لأن الساردين للأحداث او الاعلاميين الذين غطّوا الواقعة لم يكونوا على عين المكان بل اعتمدوا بعض المعلومات الشحيحة التي كان يتناقلها البعض. «الشروق» استغلت وجود شاهد عيان على عين المكان منذ السادسة صباحا الى ما بعد تحرير طاقم التحكيم بالكامل وهو الزميل محمد البوزيدي (قناة الجنوبية) الذي تحوّل الى هناك لتغطية الحدث وإذا به يتحول الى وسيط بين المحتجزين والراغبين في تحرير طاقم التحكيم من وزارة الرياضة الى الولاية وغيرهما من الأطراف.
صيد ثمين
في البداية أشار الزميل البوزيدي أنه تحوّل الى هناك في حدود الساعة السادسة صباحا تقريبا وقد ساعده انتماؤه الى الجهة (أصيل سيدي بوزيد) في الحديث الى كل الأطراف ومحاولة كشف الاسباب التي أدت الى هذا المأزق وأشار الى أن العملية انطلقت بغلق الطريق العام الذي تحوّل الى حجز بن حسانة ومن معه كما أكد ان الاحتجاز لم يشمل طاقم التحكيم فحسب بل شمل عديد المواطنين الذين مروّا من هناك وكان المحتجزون يعمدون في كل مرة الى الاحتفاظ بمفاتيح السيارات وكلما ارتفع عدد المحتجزين كانت الأطراف المسيرة للعملية تعمد الى إطلاق سراح البعض منهم مع الإصرار ان الهدف الأول هم بالتأكيد الحكام علما أنهم مكنوا بن حسانة ومن معه من الالتجاء الى منزل على عين المكان في حدود الساعة الثانية ليلا لكن الحكام فضلوا الخروج والعودة الى الشارع ويقول الزميل البوزيدي انه وجد الحكام في الطريق العام في حدود الساعة السادسة عند وصول الفريق التلفزي. في هذه الاثناء ومع انتشار الخبر في وسائل الاعلام فكر الشبان الذين يحتجزون الحكام (وليس أهالي المنطقة كما ذكرت ذلك وسائل الاعلام) في غلق كل المنافذ المؤدية الى مكان الاعتصام وذلك بغلق الطريق أولا بواسطة شاحنة من الحجم الكبير جدا وثانيا بالتسلح «بالمولوتوف» والتمركز في كل المناطق تقريبا وخاصة على الأسطح.
اتصالات أولية وحالات مزرية
مع ساعات الصباح الأولى بدأت الاتصالات وكانت الأولى حسب الزميل المذكور صادرة عن وزارة الرياضة وتحديدا من الوزير طارق ذياب سواء مباشرة او عن طريق جلال تقية بتكليف من الوزير طبعا وذلك عبر هاتف الزميل محمد البوزيدي الذي وجد نفسه يتحول الى وسيط بحكم حاجة كل الاطراف له فالمحتجزون يبحثون عن القادر على إيصال مطالبهم والمحتجزون في حاجة لمن يساعد في اطلاق سراحهم. في البداية حرص قاطعو الطريق على إظهار الحالات الاجتماعية القاتلة التي تعيشها المنطقة ودرجة الحرمان التي تتجاوز الوصف وأضافوا ان بعض المعتقلين من أهاليهم لا ذنب لهم بل هناك من بينهم معوقون وجرحى الثورة ولذلك فهم يطالبون بإطلاق سراحهم فورا.
مساعي وزير الرياضة ومساعد وكيل الجمهورية
في حدود الساعة 11 بدأت التدخلات تدخل المنعرج الحاسم وفي هذه الاثناء تمكن وزير الرياضة من التحدث الى من يمثل الشبان الذين يحتجزون طاقم التحكيم وقال لهم حرفيا «يجب ابداء حسن النية» وووعدهم بمساعدتهم في اطلاق سراح من اعتقل ان اثبتت التحريات أن اعتقاله كان باطلا وكذلك في لفت نظر الحكومة لتحسين الأوضاع الاجتماعية. وأضاف طارق ذياب أن ذلك لا يتحقق الا اذا اطلق سراح الحكام لأن احتجازهم سيعقد الوضعية وبعد هذا الاتصال عاد وزير الرياضة واتصل مرة أخرى بعد التشاور ربما مع الوالي وبعض الاطراف الاخرى وطلب من قائد الشبان أن يعبر أولا عن حسن النية.
الى جانب محاولات وزير الرياضة حل مساعد وكيل الجمهورية بسيدي بوزيد في حدود الساعة الثالثة وكان تدخله في نفس الاتجاه ووعد بالاعانة وذكروا له أن قوات الأمن قد اقتحمت منازلهم واعتقلت عديد الأبرياء وغير المورطين في أي أعمال عنف ولذلك لن طلقوا سراح الحكم الا باطلاق سراح معتقليهم وبعد الحاح الاطراف الراغبة في تسريح الحكام بدأ التهديد بحملهم الى جهة غير معلومة مثل الجبال أو الاعتداء عليهم في صورة اقتراب الأمن وبدأ تطويق المكان والتحصن في الأودية وبجانب الطرقات المؤدية الى مسرح الاحداث.
وسطاء بالجملة... رفض مطلق والحكام يد واحدة
في هذه الاثناء حاولت عديد الأطراف الاخرى التدخل اذ حضرت خلية أحباء قوافل قفصة وطلبت أن يتم ترحيل الحكام الى أحد النزل بقفصة على أن يحتفظ الشبان بالسيارة كضمان الى أن يتم النظر في مطالبهم لكنهم رفضوا ذلك شكلا ومضمونا. بالاضافة الى أحباء القوافل حل مواطن من ولاية صفاقس وأراد التدخل بعد كل الأطراف وطلب أن يتم اطلاق سراح الجميع الا الحكم بن حسانة لأن حجز شخص واحد يختلف عن حجز مجموعة على حد تعبيره لكن الحكام المرافقين لبن حسانة هم الذين رفضوا هذه المرة وبشدة بل أكثر من ذلك فإن زوجات بعض الحكام هددن أيضا بالالتحاق بأزواجهم وضرورة احتجازهم معهم في صورة عدم استعداد الشبان لتسريحهم. الى جانب هذه المبادرات الشخصية كانت اتصالات وزير الرياضة متواصلة وكذلك رئيس الجامعة وديع الجري الذي كان يتصل بمعدل مرة كل نصف ساعة بالاضافة الى بعض اساتذة التربية البدنية سواء الذين يعملون أو العاطلون عن العمل وقد رفضت كل المبادرات وأبدى الشبان عدم استعدادهم للتنازل عن مطالبهم.
خطة أمنية وخطة مضادة
بعد أن أغلقت كل سبل التفاهم تقريبا كان الحاضرون على عين الكان ومن بينهم الزميل محمد البوزيدي يشعرون أن هناك أمرا ما يدبّر من الطرفين سواء من طرف الأمن الذي كان يعد خطة للتدخل واقتحام المكان أو من طرف الشبان الذين أعدوا خطة مضادة تتمثل في السماح للأمن بالدخول ثم الالتفاف عليه وهو منعرج خطير بالتأكيد. في هذا الظرف حضر الانهيار وبكاء بعض الحكام خاصة أنهم رفضوا الاكل منذ أن تم احتجازهم واكتفوا بشرب الماء رغم احضار الطعام في كل مرّة. في هذه الاثناء بدأ الاستعداد لأمر ما كان يجري الاعداد له وفي هذا الظرف بالذات فضل أحد المواطنين حماية الحكام داخل منزله في انتظار نتائج المواجهة المنتظرة. وفي هذا الظرف بالذات اتصل وزير الرياضة وطلب مهلة قبل تدخل الامن عسى أن يتم التوصل الى فض الاشكال لكن توتر الاعصاب والاقتراب من المواجهة المنتظرة حال دون التوصل الى حل وفي اللحظة الصفر كان الاقتحام الأمني ولحسن حظ الحكام أن الأمن (وهذا داخل في اطار الخطة) اقتحم المكان قريبا جدا من المنزل الذي كان به الحكام ولذلك كان الوصول اليهم سهلا نسبيا والوصول اليهم يعني بالضرورة حمايتهم.
الاقتحام والتحرر استغرق ساعة كاملة
شاهد العيان المذكور الذي كان مواكبا للعملية من الألف الى الياء أكد ان الاهتمام والتهريب استغرق تقريبا ساعة كاملة ووجدت قوات الامن والحرس الوطني نفسها مجبرة على قطع تقريبا 3 كيلومترات كاملة عدوا بالاضافة الى رفع الحواجز التي وضعت بالطريق ولحسن الحظ ان الأمن غيّر الخطة في آخر لحظة اذ كان هناك مجموعة من الشبان تنتظر على مستوى منزل بوزيان لكن قوات الامن التي حررت الحكام غيرت الخطة تماما من اتجاه بوزيان الى اتجاه قفصة اي مرورا عبر سيدي علي بن عون وبئر الحفي وكانت التغطية الامنية مكثفة جدا. وقد حل طاقم التحكيم المحرر بمقر ولاية سيدي بوزيد في حدود الساعة التاسعة والربع ليلا.
انتهت الأزمة وبدأ التحقيق
عند الوصول الى مقر الولاية بالإمكان التأكيد أنه نزل الستار على الازمة وبالامكان القول ان الحكام المحتجزين تخلصوا من الكابوس الذي رافقهم وقد أكدوا عندما فتح وكيل الجمهورية التحقيق ان معاملتهم لم تكن سيئة رغم ان التصريحات التي أدلوا بها عند اعتقالهم كانت تحت التهديد وكان من اعتقلهم هو الذي يقترح عليهم ما يصرحون به.
الحصيلة
في النهاية لابد من الاشارة ان العملية كانت ناجحة الى أبعد الحدود اذ تم تحرير طاقم الحكام ولم يصيبوا بأي مكروه ما عدا الحالة النفسية لهؤلاء التي كانت في أدنى درجاتها مع اصابة عون أمن وإطار أمني أيضا وايقاف العديد من الشبان (من المنتظر ان يكون ذلك في حدود 13 شخصا).
في النهاية ايضا لابد من الإشارة ان بعض الشبان سيدفعون الثمن لأنهم كانوا ضحية بعض المحرضين الذين استغلوا الوضعية الاجتماعية المزرية جدا ولابد أيضا من الاشارة ان تدخل الحكومة لتحسين بعض الوضعيات أصبح أكثر من ضروري حتى لا تتكرر مثل هذه الأحداث المسيئة للجهة والبلاد بصفة عامة.
بقي ان نشير ان طاقم الحكام غادر الولاية بعد منتصف الليل في اتجاه محل سكناهم على أمل أن تكون الأولى والاخيرة. وقد فضّل رئيس الجامعة تنظيم حفل استقبال على شرفهم برابطة صفاقس في حدود الساعة الثانية ليلا.
المساعدون في الفخ
أخيرا وحسب مصدر آخر كان مع الحكام المحتجزين فإن الشبان الذين احتجزوا الحكام والذي كان عددهم 6 أشخاص ليسوا هم الذين تم ايقافهم لأنهم تحصنوا بالفرار في الوقت المناسب وفي اللحظة الصفر حضر آخرون لمراقبتهم وهم الذين احتجزهم الأمن، يذكر ان هناك 19 سيارة أمنية شاركت في عملية الاقتحام بحضور فرق مختلفة تتقدمها فرقة كومندوس.