أعلنت وزارة العدل يوم 13 سبتمبر 2012 عن الحركة القضائية لسنة 2012 2013 وهو ما أثار جدلا حاميا وسط القضاة بلغ حد تبادل التهم بين جمعية القضاة ونقابتهم والوزارة. الجدل الذي تحول الى صراع وتبادل تهم لم يبق في حدود أروقة قصر العدالة ونادي القضاة وفضاءاتهم الخاصة بل خرج للعلن وللعموم في وسائل الاعلام بشتى أصنافها.
عودة المجلس الأعلى
الحركة القضائية التي أعلنت عنها وزارة العدل يوم 13 سبتمبر 2012 ردت عليها جمعية القضاة التونسيون بعد يومين في بيان اسمته بالقرار ورفضت وصفها بالحركة واعتبرت الجمعية أن الوزارة وظفت المجلس الأعلى للقضاء بصفة صورية لاضفاء الشرعية عليها.
يشار إلى أن المجلس الأعلى للقضاء هو الاطار التنظيمي للقضاء منذ 1967 وكان أغلب أعضائه يتم تعيينهم حسب صفاتهم ومسؤولياتهم بالمحاكم وحتى العملية الانتخابية للجزء القليل لم تكن عملية انتخابية حقيقية، وهو ما جعل جل الحقوقيين والقضاة والمحامين ينتقذون هذا المجلس.
اتهامات
الجمعية اعتبرت أن ما اسمته قرارات وزارة العدل كانت خارج أطر الشفافية والشرعية وأعلنت عن رفضها للحركة ولاحظت أن«التوجه» في تلك القرارات كان نحو اسناد الخطط الوظيفية طبق معايير الانسجام والارتباط بالنظام السابق وتأبيد المظالم باستثناء القضاة المستقيلين من تلك الخطط واستبعادهم منها وخاصة بدوائر محاكم تونس تحضيرا للتحكم في إدارة قضايا الفساد والمحاسبة والتجاوزات المرتكبة في العهد السابق والقضايا المتصلة بالحريات وملف العدالة الانتقالية.
ثم تحركت جمعية القضاة التونسيين التي ترأسها القاضية كلثوم كنو التي كانت من مجموعة القضاة الخمسة الذين شكلوا المكتب الشرعي للجمعية إثر انقلاب سنة 2005 والمرصد التونسي لاستقلال القضاء الذين يرأسه القاضي أحمد الرحموني الذي كان رئيسا للمكتب الشرعي لجمعية القضاة واتهما صراحة نقابة القضاة التونسيين التي تأسست يوم 18 مارس 2011 والتي ترأسها القاضية روضة العبيدي بالتواطؤ مع وزارة العدل لتمرير الحركة القضائية عن طريق المجلس الأعلى للقضاء. وأعطت الجمعية والمرصد أمثلة على ذلك وتم ذكر أسماء بعض القضاة الذين تمت ترقيتهم رغم المهام والخدمات التي قدموها زمن الديكتاتورية وهو ما أدى في بعض الحالات الى الاعتداء بالعنف مثلما جرى لوكيل الجمهورية الجديد بالمحكمة الابتدائية بقبلي. أحمد الرحموني وصف الحركة القضائية بأنها انبنت على تحالف بين السلطة والمجلس الأعلى للقضاء ونقابة القضاة.
وزارة العدل ترفض التهم
هذه الاتهامات رفضتها وزارة العدل التي اعتبرت أنه في ظل غياب الهيئة الموقتة للقضاء فإن الوزارة مطالبة بإجراء الحركة وفقا للقانون وهو ما يخول لها الرجوع الى المجلس الأعلى للقضاء باعتباره قائما قانونا ولا يوجد ما يلغي وجوده.
وتعتبر وزارة العدل أن أعضاء المجلس الأعلى للقضاء موجودون وفقا لصفاتهم وهم في الأصل من أبناء الجمعية. وتذهب مصادر داخل وزارة العدل الى أبعد من ذلك بانتقاد جمعية القضاة والقول إنهم حصلوا على النقلة الى العاصمة عن طريق المجلس الأعلى للقضاء. ويشار إلى أن أعضاء المكتب الشرعي لجمعية القضاة تم اخراجهم من محاكم العاصمة إلى داخل الجمهورية سنة 2005 على اثر الانقلاب على الجمعية وتم إرجاعهم إلى أماكنهم بعد الثورة.
مصادرنا بوزارة العدل تقول أيضا ان الوزارة اتصلت بأعضاء الجمعية للنظر في الحركة القضائية الا أنهم رفضوا ذلك. مع الإشارة الى أن القضاة يطالبون بهيئة مستقلة للقضاء، تمت مناقشتها داخل المجلس التأسيسي الا ان وزارة العدل كانت تفرض استقلال الهيئة القضائية، ولم تتوصل نقاشات المجلس التأسيسي الى نتيجة أمام الاختلاف بين جمعية القضاة والنقابة. يشار أيضا الى أن وزير العدل ينتمي الى حركة النهضة التي لها الأغلبية داخل المجلس التأسيسي وهو ما يعني ان موقف الوزارة سيجد له صدى داخل أروقة المجلس.
نقابة القضاة تردّ
نقابة القضاة التونسيين لم تقف بدورها مكتوفة الايدي بل أطلقت رئيستها القاضية روضة العبيدي «النار» علنا على بعض أعضاء مكتب الجمعية التي قالت انهم تستروا على بعض ملفات الفساد لقضاة قريبين منهم وهددت بما أسمته كشف الوثائق والملفات.
وقالت روضة العبيدي لوسائل الاعلام ان النقابة تصرفت وفقا لقانونها الأساسي فهي تدافع عن مصالح القضاة المادية والمعنوية، وقالت ان النقابة ساهمت في ضبط الآليات والمقاييس الخاصة بالحركة واعتبرت ان تصريحات رئيسة الجمعية غير مسؤولة، كما اعتبرت في تصريحات اعلامية بأن للجمعية حسابات سياسية وقالت ان النقابة تعمل على استقرار القضاة بعيدا عما أسمته بالمزايدات.
نشر الغسيل وسقوط المعبد
الا انه حسب المتابعين للشأن القضائي فإنه بقطع النظر عن صواب موقف كل طرف من القضايا العدلية المطروحة سواء المتعلقة بالهيئة المؤقتة او المتعلقة بالحركة القضائية، فإن «نشر القضاة لغسيل» بعضهم البعض على وسائل الاعلام، سوف لن يضر بطرف بعينه، ولن يسقط بالجمعية او النقابة، بل سوف ينعكس سلبا على المرفق العدلي عموما وعلى القضاة خصوصا اذ أصبح هناك من يجرؤ على القاضي للاعتداء عليه او اقتحام مكتبه او حرق مقر عمله وبدأ القضاة أنفسهم يساهمون في هدم «المعبد» وزعزعة القيمة الاعتبارية لما يعرف لدى الناس بالرئيس فالقاضي هو الملجأ وهو الفيصل بين المتقاضين وهو روح القانون وعنوان الدولة وهو رمز المرحلة الحداثية التي اقترنت بالقوانين الوضعية وبالدولة الحديثة، لذلك فإن خروج رموز المهنة وممثليها من الجمعية والنقابة للتصارع على الطريقة الرومانية في مسرح وسائل الاعلام سوف لن يظهر اي حقيقة الا حقيقة اهتزاز صورة القاضي.
تكسير الأعمدة
إن تأخر المجلس التأسيسي في احداث هيئة مؤقتة للقضاة وعمل وزارة العدل على المناورة بين الجمعية والنقابة هو أمر مرتبط بطبيعة السلطة التي تسعى الى الترويج لموقفها وايجاد «أعوان» لتنفيذه مهما علا شأنهم، الا ان الأمر غير المعقول وغير الطبيعي هو عملية التآكل الذاتي بين القضاة الذين يعملون اليوم على تكسير الاعمدة الأساسية للسلطة القضائية وهو هيبة هذه السلطة واستقلاليتها وهو ما يؤشر لإمكانية سقوط قصر العدالة على من فيه.