في إطار الحوار الوطني للعدالة الانتقالية عقدت مؤخرا بولاية باجة اللجنة الإقليمية الثانية جلسة تحت عنوان «قانون العدالة الانتقالية الرؤى والتصورات» .هذه الجلسة كانت مناسبة طالب فيها ضحايا الاستبداد باسترداد حقوقهم ومحاسبة جلاديهم دون تشف. جدول أعمال المؤتمر تمثل في حصة اولى تخللتها مداخلة لرئيس اللجنة المنظمة قدم فيها أهداف مشروع العدالة الانتقالية في تونس ومقارنة بينه وبين مشاريع مماثلة في دول أخرى فيما تطرق نائب الرئيس والمنسق الجهوي السيد بشير الزيادي إلى آليات تطبيق مشروع العدالة الانتقالية والتحديات المطروحة حوله.
فيما أعطيت الكلمة الى عدد من الحاضرين كانوا في أغلبهم من ضحايا الاستبداد والقمع في العهدين البورقيبي والنظام الذي تلاه فكانت مداخلاتهم سردا لتجاربهم المريرة سواء في السجون أوداخل المجتمع حيث تحدثوا عن التعذيب وقطع الأرزاق وهرسلة وتضييق وتعد على الحرمة الإنسانية كما اتهم العديد منهم الجهاز الإعلامي واتحاد الشغل بالتواطؤ مع آلة القمع الأمنية إضافة إلى سكوت عديد الأحزاب السياسية عن المحرقة التي عاشوها طيلة خمسين سنة .
يذكر أن الحضور كان فسيفساء بين إسلاميين وقوميين ويوسفيين ويساريين اشتركوا في هدف واحد هواسترداد حقوقهم المدنية والاجتماعية ومحاسبة جلاديهم وفق القانون ودون تشف لكن حري بنا أن نقول أن عددا كبيرا من الحاضرين عبروا عن استيائهم من تأخر تسوية ملفاتهم حيث لم يعد الكثير منهم إلى عمله على غرار حسن النهدي المطرود منذ بداية التسعينات وآخرون يعانون نفس المشكل زد على ذلك ملف العفوالتشريعي العام ومسألة التعويضات التى علق عليها السيد سليمان المطوسي والسيد محمد الهويملي وآخرون قائلين بأنها سيست ومارست فيها عديد المزايدات .
وأبرز ما يمكن أن نقول خلال الجلسة الأولى أن حجم المعاناة الفردية للحاضرين ورواية ما حدث لهم قد طغت على الطابع الرئيسي والبرنامج المتمثل في مناقشة التصورات حول موضوع العدالة الانتقالية.
وفيما يخص دور القضاء تحدثت لجنة الحوار والإشراف على العدالة الانتقالية على أربعة عناصر أولها إصلاح المنظومة القضائية وتعزيز استقلاليتها وثانيها تدعيم ضمانات المحاكمة العادلة فيما كانت النقطةا لثالثة والرابعة لتتحدث عن استراتيجية شفافة خاصة بالتتبعات لجرائم النظام السابق وإمكانية بعث هيآت خاصة بالتتبع والتحقيق في جرائم النظام السابق للإسراع في فصلها وتلافي اضمحلال أدلتها ولسماع الشهود.
فيما يخص الإصلاح الإداري والمؤسساتي تحدثت اللجنة عن ضرورة إجراء غربلة ممنهجة للإدارة من الذين مارسوا الفساد وانتهكوا حقوق الإنسان مع تمكينهم حق الدفاع والمواجهة إضافة إلى تحويل الجيش والشرطة والديوانة والقضاء من أدوات يمكن استعمالها في القمع والفساد الى وسائل ناجعة تهدف الى خدمة الصالح العام وتكريس مبدإ النزاهة.
من جهة أخرى تطرقت الجلسة الى دور لجان التحقيق إذ يمكن إحداث لجان تحقيق لتتقصى في نوعين من الحقائق تتعلق الأولى بانتهاك حقوق الإنسان والثانية بالرشوة والفساد وفي هذا الإطار تحدث الأعضاء عن الحرص على تكوين اللجنة من أعضاء عرفوا بنزاهتهم واستقلاليتهم كما وقع التطرق إلى أهمية تشريك الضحايا والجماعات ذات الصلة في مسار العدالة الانتقالية والمجموعات الأكثر تضررا وذلك بتحديد لصفة الضحية وبالأخص الجماعات المهمشة كالأطفال والنساء. والملاحظ أن منهجية عمل اللجنة المشرفة على الحوار الوطني للعدالة الانتقالية تتركز على البحث والتحقيق المدقق حول الوقائع والسعي إلى الحفاظ على الوثائق والشهادات وضمان محاكمات عادلة للمتورطين والمتهمين لكنها لم تنس أن تدرج مسألتين هامتين هما المصالحة بعد المحاسبة وجبر الضرر الذي اعتبره القضاة والمحامون في إطار البرنامج من أهم مقومات العدالة الانتقالية.
وكانت قد جمعتنا محاورة مع المنسق الجهوي للإشراف على العدالة الانتقالية السيد بشير الزايدي سألناه عن آليات التطبيق وبطء حيثياتها فأجابنا أن اللجنة بصدد إقامة حوار مع كل الأطراف المعنية في جميع مناطق الجمهورية وقال أنه على ثقة أن القضاء التونسي يعج بالشرفاء وسيمثل دعامة حقيقية وآلية فعلية لتطبيق برنامج العدالة الانتقالية كما أشار إلى أن مسالة نجاعة البرنامج مرتبطة بكل الأطراف وأهمها المتضررين ذاتهم من النظام الاستبدادي الذي عاشته البلاد طيلة خمسين سنة.