تتجه الأنظار إلى موعد 16 أكتوبر حيث سيعقد المؤتمر الوطني للحوار... لكن حالة الاحتقان ولي الذراع وتبادل الاتهامات بين فريقي السلطة والمعارضة لا تزال قائمة... ما هي خلفيات هذه الحالة وما تداعياتها على الحوار وعلى مسار التوافق المنشود؟ القيادي في حركة النهضة العجمي الوريمي قال إن احزاب الترويكا اتفقت على مشروع متكامل للمرحلة المقبلة وذلك للخروج من «النفق المظلم الذي يعيشه التونسيون» مؤكدا أن «لا احد يقبل بالفراغ سواء الحكومة أو المعارضة والشرعية الانتخابية هي القاعدة الوحيدة الذي يجب أن يتعامل على أساسها الفرقاء السياسيون». وطمأن الوريمي « المعارضة والشعب التونسي إلى أن المشروع القادم المقترح من الترويكا سيضمن حقوق الجميع».
الشرعية الانتخابية أولا
من جانبه أكّد رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر خلال كلمة ألقاها للشعب التونسي مساء الجمعة أنه لا تعويض للشرعية الانتخابية وأنه ليس هناك شرعية توافقية كما تروج بعض الأطراف.
وقال بن جعفر إن «التوافق هو مكمل للشرعية الانتخابية وليس بديلا لها» مرحبا بمبادرة الاتحاد العام التونسي للشغل «في سبيل تقريب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين».
وتتمسك أحزاب الترويكا بمفهوم الشرعية الانتخابية لإدارة المرحلة الانتقالية فيما تتحدث أطراف في المعارضة عن أنّ تلك الشرعية غير كافية ولا بد من دعمها وإسنادها بالشرعية التوافقية الضرورية لإدارة المرحلة خصوصا في ضوء الصعوبات التي تواجهها الحكومة وعجزها أحيانا عن إدارة بعض الملفات حسب تصور المعارضة. لكن الائتلاف الحاكم يعتبر أن الحديث عن الشرعية التوافقية مدخل للالتفاف على الشرعية الانتخابية ويتهم من يسميها «الأطراف الخاسرة في الانتخابات» بتعطيل المسار الانتقالي عبر التشكيك في عمل الحكومة وتصوير الوضع العام في البلاد على أنه كارثي وعبر التحريض والتشكيك في شرعية مؤسسات الدولة بعد 23 أكتوبر 2012.
الحكومة الحالية غير قادرة
وذهب الأمين العام لحركة الوطنيين الديمقراطيين الموحد شكري بلعيد إلى القول إن «الحكومة الحالية غير قادرة على مواصلة مهامها بعد تاريخ 23 أكتوبر وإن هذه الحكومة جزء من الأزمة ومن المشكلة ولا يمكن أن تكون جزءا من الحل».
وقال بلعيد «نقترح حكومة أزمة متكونة من كفاءات وطنية مستقلة تلتزم بعدم الترشح لخوض الانتخابات القادمة» مضيفا أنّ «على حكومة الأزمة أن «تكون مضيقة وتركز على حل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية للمواطن التونسي.»
ويبدو التنازع شديدا بين الائتلاف الحاكم والمعارضة حول مسألة الشرعية الانتخابية والشرعية التوافقية. وقد طالبت المعارضة مرارا بضرورة ضبط خارطة طريق للمرحلة القادمة وبضرورة تشريكها في ذلك متهمة الائتلاف الحاكم وخصوصا حركة النهضة بالاستبداد بالرأي وعدم تقديم إشارات مطمئنة في هذا الباب.
حسابات... وترضيات
وقد سعى رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي إلى طمأنة الرأي العام حين صرح قبل أيام بأن منتصف أكتوبر سيشهد ضبط المواعيد السياسية الكبرى والتوافق على إدارة ما تبقى من المرحلة الانتقالية.
لكن تسريب الفيديو الأخير الذي ظهر فيه الغنوشي متحدثا إلى أحد ممثلي التيار السلفي أعاد الأمور إلى المربع الأول، مربع الفوضى وانعدام الثقة وعادت معه الاتهامات ولغة التخوين وازدادت الأمور تعقيدا حيث بلغت درجة دعوة أحد نواب المجلس التأسيسي المنضمين حديثا إلى حركة «نداء تونس» (محمد علي نصري) إلى إقصاء الغنوشي من الحياة السياسية وإلى محاكمته بسبب تصريحاته التي رأى فيها البعض مسا بأمن البلاد وبالنظام الجمهوري وبالمؤسستين الأمنية والعسكرية وتكريسا من الحركة لازدواجية الخطاب ودليلا منها على سعيها إلى تركيز دكتاتورية جديدة عبر السيطرة على كل مفاصل الدولة.
وتترافق هذه الدعوة مع حالة تنافر حادة بين حركة النهضة وحزب حركة نداء تونس الذي يقوده الوزير الأول السابق الباجي قائد السبسي حيث تقول حركة النهضة إنها تؤيد الحوار والتوافق وتدعو إلى توسيع دائرته على أن لا يشمل «نداء تونس» بسبب ما تعتبره أنّ الحركة ملاذ للتجمعيين.
وقد غاب رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي عن لقاء رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي بقادة الأحزاب في خطوة فسرها البعض بأنها قد تعود إلى أن قائد السبسي كان من بين المدعوين إلى القصر الرئاسي حيث التقى المرزوقي بعدد كبير من قادة وممثلي الأحزاب عشية مؤتمر الحوار الوطني المنتظر.
وأكد أستاذ القانون والباحث وحيد رحيم أنّ المتأمل في المشهد السياسي التونسي يلاحظ حالة الاحتقان السياسي بين المعارضة والترويكا وتحديدا حركة النهضة موضحا أنّ «الحملة الشرسة ضد الحكومة قد بدأت مبكرا وعلى أكثر من مستوى، والهدف منها على ما يبدو ليس مجرد الإرباك بل رغبة صريحة في نزع الشرعية التي تتلبس بها قصد إضعافها وتبرير أي تحرك قادم ضدها».
صراع انتخابي
ورأى رحيم أنّ «القول بأن شرعية الحكومة تنتهي يوم 23 أكتوبر من هذه السنة أي قبل نصف السنة من الموعد الانتخابي المقبل وربما قبل المصادقة النهائية على الدستور الجديد، معناه أن الأطراف السياسية المعادية للنهضة ولمشروعها ترغب في إقصائها وتحييد أي دور لها في الإشراف على هذه الانتخابات أما الهدف الثاني من مثل هذه التصريحات الاستباقية فهو دفع الترويكا إلى لقبول بمبدإ تشريك أطراف أخرى في الحكومة كانت قد رفضت قبلا الانخراط في الائتلاف الحاكم ثم ندمت بعد أن أحست بتقلص الدور الذي كان من المفروض أن تلعبه إما بسبب سوء تقديرها للوضع السياسي المحلي أو لفشلها في الدخول في ائتلافات حزبية موسعة».
وأشار رحيم أيضا إلى «حالة الارتباك داخل الإئتلاف الحاكم والذي هو انعكاس منطقي لحالة الارتباك والمخاض الذي عاشته وتعيشه الأحزاب المكونة للترويكا فالصراعات المعلنة والخفية داخل هذه الأحزاب والتجاذبات الحاصلة بين الفاعلين فيها سرعان ما يقع تصديرها عن قصد أو عن غيره إلى الائتلاف خاصة مع وجود أطراف عدة تستبشر بمثل هذه الخلافات ولا تتوانى عن تأجيجها قصد استثمار نتائجها في المحطات السياسية المقبلة.
وأكّد رحيم أنّ «المعطى الانتخابي خاطر بشدة داخل كل هذه التجاذبات فموعد الانتخابات قد اقترب كثيرا وكل الأطراف تسعى إلى تسجيل نقاط سياسية بأي طريقة ويبدو أن أيسر هذه الطرق وأقلها جهدا وتكلفة هي معاداة النهضة وشيطنتها وتصويرها بمظهر المستبد رغم ما قدمته من تنازلات وبالرغم من حرصها على تثبيت أرضية للتوافق تجلت في عدة مناسبات ليس آخرها القبول بالصيغة الحالية للفصل الأول من الدستور القديم والعدول عن مقترح التنصيص على الشريعة الإسلامية كمصدر أساسي للتشريع» حسب قوله.
ويبقى التساؤل مطروحا: إذا كانت مكونات المشهد السياسي من أطراف حاكمة ومعارضة غير قادرة على ضبط النفس والكف عن الانخراط في الاتهامات المتبادلة وإذا كانت قد آثرت الدخول من الآن في سباق انتخابي فهل أن لديها استعدادا للجلوس إلى طاولة الحوار وهل هي على ثقة بأن هذا الحوار سيسفر عن حالة توافق، الجميع يتحدث عنها دون القدرة على تمثلها وتنفيذها؟.