برغم ما يعتملُ في الساحة السياسيّة من تجاذب ومظاهر للتوتّر بين مختلف الأحزاب والفاعلين فإنّ الواقع يشي بأنّ نقاط الاختلاف حول توصيف حال البلاد وتحديد أجندة المرحلة القادمة قليلة إن لم تكن معدومة ، فما من حزب أو تيار لا يُقرّ بالوضع الاقتصادي والاجتماعي الصعب ولا أحد منها لا يعترفُ ولا يُصرّح بضرورة الإسراع في كتابة الدستور ووضع آليات الانتقال إلى مرحلة الحكم الدائم والمستقر. فحال الاقتصاد معلوم والضغوطات محلّ إجماع بين من هم في السلطة ومن هم في المعارضة والصعوبات أيضا واضحة للعيان لا تحتاج إلى الكثير من البيان. يكاد يكون ملمح الدستور الجديد واضحا فهو دستور لدولة ديمقراطيّة مدنية تنتصرُ لهوية الشعب العربيّة الإسلاميّة متفتحة على الآخر وعلى روح العصر والحداثة وتحمي الحريات الشخصية والعامّة وتضمّنُ التداول السلمي للسلطة ، كما أنّ الاستحقاقات الانتخابيّة تكاد تكون واضحة في أجلها وفي مضمونها وفي طبيعة النظام السياسي الّذي من المرجّح أن يكون رئاسيّا «مزدوجا» أو «معدّلا» لأنّه أخذ من مختلف التصورات التي تمّ تقديمها وهو نقطة التلاقي بينها جميعا فلا هو نظام رئاسي كما ناشدته بعض المعارضة ولا هو نظام برلماني كما طالبت به حركة النهضة.
أصبح من الواضح أنّ ما يدور اليوم بين الأحزاب والسياسيين لا يعدو أن يكون «بروباقندا» انتخابيّة لكسب النقاط على هذا الخصم أو ذاك ، وحتّى شعارات الإقصاء أو المطالبة بحل بعض الأحزاب لا يعدُو أن يكون طفرة في سياق ذلك السباق «الانتخابي» المحموم والّذي يصل مرّات درجة غريبة في بثّ الإشاعات أو نشر الاتهامات والإدانات والتصريح حتّى باللامعقول.
وفي كلّ ذلك، يسعى الفاعلون السياسيّون الّذين تلتقي أنظارهم جميعا صوب المواعيد الانتخابيّة المنتظرة على الأرجح في غضون النصف الأوّل من السنة القادمة إلى تأليف العديد من الروايات أو السيناريوهات للإيهام بعكس ما هو موجود ولمحاولة التأثير على الناخبين في هذا الاتجاه أو ذاك. الساحة السياسيّة اليوم مفتوحة على حراك انتخابي حقيقي قد يراهُ البعض سابقا لأوانه لكنّه عند القائمين عليه هام ومصيري لتثبيت الوجود في السلطة بالنسبة لمكوّنات الترويكا الحاكمة ولتصحيح أخطاء قديمة بالنسبة للمعارضة.
ولكن ، من المؤسف حقّا أن يتحوّل ذلك السباق الانتخابي المبكّر إلى مجال لمحاولة توتير الأوضاع العامّة في البلاد وهو ما من شأنه تكثيف الضغوطات الاقتصاديّة والاجتماعيّة وإرباك دواليب الدولة وهو وضع لن يكون في صالح أيّ جهة ستتولّى السلطة مستقبلا.