الأضحية سنة مؤكدة غير واجبة في حق من يستطيعها و يملك ثمنها ولا يحتاجه طيلة عامه يذبحها ليأكل منها، ويهدي ويتصدق بجزء منها على الفقراء. وهي من شعائر الإسلام المشروعة بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه و سلم وإجماع المسلمين. أمّا من القرآن فقوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} (الكوثر/2) وقوله أيضا: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبِّ الْعَلَمِينَ} (الأنعام/162) والنسك هو العبادات بما فيها الذبح. وأمّا من السنة ما جاء في صحيح البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: «ضحى النبي صلى الله عليه و سلم بكبشين أملحين ذبحهما بيده وسمى وكبر، وضع رجله على صفاحه». انقلبت إلى عادة اجتماعية
فالأضحية كما رأينا سنة فمن قام بها أثيب عليها ومن تركها حتى ولو كان قادرا عليها فقد فوّت عليه أجرها وثوابها ولا يأثم بتركها. ولكننا نلاحظ أن هذه الشعيرة الإسلامية قد حادت عن جانبها التعبدي ومسارها الديني الصحيح وانقلبت إلى عادة اجتماعية تجردت من مقاصدها الشرعية وأصبحت مناسبة للتباهي والتفاخر والتنافس والرياء , و صار كثير من الناس يحمّلون أنفسهم ما لا طاقة لهم به ويثقلون كواهلهم بالديون من أجل شراء كبش العيد والاحتفال بهذه المناسبة.
هذا الواقع المعاش جعل بعضهم يتساءل عن مدى إلزامية الأضحية وحول إمكانية تجاوزها وإلغائها أو تعطيلها لموسم أو موسمين من أجل تمكين قطعان الماشية وخاصة من الخرفان من التكاثر والنموّ بدعوى تقلص أعدادها إلى جانب أن العيد أصبح مناسبة للإفراط في أكل اللحوم بكميات كبيرة ممّا تسبب في كثير من الأمراض الناتجة عن ارتفاع نسبة الكولسترول في الجسم كأمراض القلب والشرايين والضغط وغيرها. إنّ هذه التساؤلات وإن بدت منطقية ولكنها توحي وكأن الإسلام هو المسؤول عن كلّ تلك السلوكيات والمصائب وهو الذي يجب أن يوضع في قفص الاتهام ويحاكم عن كل تلك النتائج والحقيقة غير ذلك لأن توجيهات الإسلام العامة كلها تخدم مصلحة الإنسان فهو الذي نهى عن الإسراف والتبذير وأمر بالاعتدال والتوازن في كل شيء{وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاما}(الفرقان/67) شعيرة من شعائر الإسلام
وأكد على حفظ الصحة: {وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}(الأعراف/31) وعدم تعريض النفس للهلاك بأنواعه {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (البقرة/195) إلى جانب حثه الناس على التعاون واستغلال هذه المناسبات الدينية كعيدي الفطر والأضحى مثلا لمدّ جسور التراحم بينهم حتى تشعّ الفرحة في كل البيوت.
ولذا فإنه من السخافة أن نتعلل بمثل هذه الأشياء لنعطّل شعيرة من شعائر الإسلام نتقرب بها إلى الله عزّ وجلّ خاصّة وأنه لا توجد أسباب وجيهة وملحّة تدعو إلى ذلك كحلول مجاعة أو جدب أو جفاف شديد أضرّ بالثروة الحيوانية أو حروب وكوارث طبيعية لا قدّر الله أتت على الأخضر واليابس.
وإن حاد كثير من المسلمين اليوم عن المقاصد والأهداف الروحية والاجتماعية لهذه الشعيرة الإسلامية فلا يجب أن يتخذ كذريعة لتعطيلها أو إلغائها لأن الخلل ليس فيها وإنما في تصرفات الناس واحتكامهم للعادات والتقاليد البالية وتنكبهم عن تعاليم الدين الصحيحة ولذلك فمن الحتمي أن نفرّق بين العادة والعبادة ومن واجب الجميع الاستمرار في توعية الناس بتعاليم دينهم السمحة التي تحمل كلّ الخير ليس للمسلمين فقط بل للبشرية جمعاء.