من منكم زار معرض الفنانة آمال الحجّار بدار الثقافة ابن خلدون المغاربية؟! ومن منكم زار هذا الفضاء حتى على سبيل الصدفة، ولم يستوقفه معرض «مع الزمن»؟!... الأكيد ان سحر تلك اللوحات وألوانها شد كل مرتادي دار الثقافة ابن خلدون، فكم من زائر شكر المعرض وناقش عدة تفاصيل تهم لوحاته المرسومة بتقنية واحدة تعرف ب«زيتي على قماش».
بيد أن ما شدّنا في المعرض المواضيع المطروحة في لوحات الفنانة التشكيلية آمال الحجّار والتي على اختلافها لها رابط نفسي وثيق بالفنانة.
فعندما تحدّثك آمال الحجّار عن معرضها «مع الزمن» تحاول دائما الابتعاد بك عن مضمون اللوحات الحقيقي والذي هو جزء من سيرتها الذاتية لتأخذك الى مرفإ الزمن الذي تجولت ريشتها في تواريخه، عن قصد وعن غير قصد لتتحول بأحاسيسها وأنوثتها عبر الزمن.
هذا الزمن أخذ منها الكثير لكنه كان رفيقها فنيا، فعبّرت آمال الحجّار عن دواخلها البعيدة في لوحاتها بشكل قد يظهر ذكاء خارقا للفنانة، الا ان هذا التعبير، لم يكن من عقل آمال، وإنما كان تحت سيطرة لا وعيها حتى أنها لا تستطيع أحيانا التحكّم في رشيتها بقدر ما تتحكّم الريشة في الفنانة التي تحملها.
في «مع الزمن» ترى الانعتاق والتحرر.. ترى الحركية لكنك أبدا لن تلاحظ ذلك التصوّف الأنثوي الصارخ إن لم تطلع على رمزيات اللوحات، وتجادل بها صاحبتها، تفاصيل تدخل في صلب الحياة الشخصية للفنانة، لذلك نتركها للزمن ما دامت آمال الانسانة، قد سلّمت مقاليد الزمن لآمال الفنانة.
التجول في معرض «مع الزمن» له مذاق خاص، فاختيار الألوان انطباعيا رائع، وجماليا أروع، لكنه أيضا يدخل صلب منظومة الزمن التي أرادتها الفنانة التشكيلية. آمال الحجار كتبت بريشة الرسام غدر الزمن وبها شكّلت قدرها المحتوم، وبنفس الريشة، بحثت عن سعادة وجودية، لا مكان لها في الوجود.. فقط اصطحبت الزمن ليكون شاهدا على ردّها.. أليس لها حقّ الردّ؟!
فشكّلت بأجمل الألوان لوحات نازفة، ورسمت بريشتها هدوء العاصفة.. حتى غدا التعبير التشكيلي عندها، كما الصلوات في محاريب الذّات.. أو هو تعال على الموجود بلغ حدّ التصوف، ولذّة الوصل باللامحسوس.
آمال الحجّار، عصامية التكوين فنيا، لكنها كانت من خلال لوحاتها حرفية، مفجّرة موهبة لم يرهقها الزمن.. لذلك كثيرا ما ترى آمال الطفلة في لوحات آمال الفنانة.. لكن الطفلة فيها لم تكبر، بألوانها حدّدت لغة لا تعترف باللغات التي يطوّرها الزمن.
الزمن.. «مع الزمن».. كل الأزمنة، واحد بالنسبة لآمال وكل الأمكنة واحد كذلك، فهي ترسم متى «دغدغت» الفكرة أحاسيسها الفنية، أينما كان المكان. كل هذه الأحاسيس تعيشها الفنانة، أحاسيس تحكمها ثنائية المدّ والجزر.. هكذا هو بحر الفنّ.. وهكذا هي حياة الانسان بكل ما تحمله كلمة إنسان من معان نبيلة.
عموما معرض «مع الزمن» يقرأ من زوايا نظر مختلفة ومتعدّدة، بيد أن اصطحاب «فرويد» ومقولاته عن التحليل النفسي، يعطي نكهة أخرى للوحات آمال الحجار، فتجد نفسك مجبرا، أحيانا على البحث في الجوانب اللاوعية في ريشة الفنانة، أكثر من البحث في المقاصد الواعية المراد إيصالها، أو الغائبة في عدد كبير من لوحاتها.. لكن باختصار شديد وبعيدا عن الزمن أغلب اللوحات وأكبرها حجما في «مع الزمن» يمكن أن تعنون ب«تصوّف أنثى».