تؤكد الأحداث وتطورات الحياة السياسية في البلاد أنّ الطبقة السياسية بما فيها من نخب وأحزاب في السلطة والمعارضة لم تغادر بعد مربع صراعاتها الجانبية المليئة بالأحقاد والكراهية والضغينة والبحث عن توريط الخصم بل وحتى استئصاله ونفيه. إنه واقع غير مأسوف عليه لأنه لم يخلف إلا الخسائر والضحايا وحرم ولا يزال البلاد من تحقيق التقدم والنمو وتحسين أوضاع الناس خاصة من الفئات المحرومة وفي الجهات والمناطق المنسية. كل الملفات وكل القضايا أضحت محل التجاذب ووقعت حتى المسائل الواضحة والمواقف الجلية في خانة التوظيف السياسي الرخيص الذي يكشف عن هوس مرضي في السعي لتحطيم الآخر المخالف ووضع الحسابات والمصالح الشخصية والفئوية الضيقة فوق الاعتبارات الوطنية ورهن مستقبل البلاد في الانتقال الديمقراطي المنشود إلى استقطابات سياسية وإيديولوجية فجة تضع على رأس أولوياتها الوصول إلى السلطة على قاعدة الغاية تبرر الوسيلة ولو كانت تلك الوسيلة التحريض والتخريب وبث الفتنة والدفع نحو المزيد من الاحتقان والصدام وتشتيت الجهود الوطنية وضرب السلم الاجتماعي وتهديد النسيج المجتمعي والمكاسب التي راكمتها البلاد في أكثر من قطاع على مر العقود الماضية.
انها نخبة وطبقة سياسية فاشلة لأنّ الوقائع والأحداث تؤكّد عجزها عن إدارة اختلافاتها بطريقة حضارية سلمية لفائدة صراع مجهول العواقب استنفرت فيه أجندات التآمر و«الضرب تحت الحزام» ونشر الفوضى والإشاعات والركوب على قضايا ومشاغل الناس اليومية والملحة في التنمية والتشغيل والعدالة .
حالة التوتر والاحتقان بين النخب والأحزاب والتي لم تسلم منها مؤخرا حتى قضايا حقوق الإنسان ومركزية القضية الفلسطينية في الوجدان التونسي بل وحتّى العوامل المناخيّة والظواهر الطبيعيّة، تلك الحالة تبقى في كل الأحوال وبجميع المقاييس التقييمية حالة مرضية تستدعي النظر في سبل علاج عاجلة قبل أن يستفحل الداء وتقع المصائب لا قدّر الله.
هناك أوضاع تزداد تعقيدا في البلاد وهناك علاقات تنحدرُ شيئا فشيئا نحو المحظور بما فيه من مخاطر لهدم البيت الوطني على رؤوس الكل وخسارة فرصة تاريخية نادرة في بناء وطني تعددي وديمقراطي يمنح البلاد الأمل في التوزيع العادل للثروة الوطنية وإحلال الفرحة في كل بيت تونسي ولدى كل عائلة وعند كل فرد وتحقيق نواميس العيش الكريم وضمان الحريات وحقوق الإنسان للجميع دون تمييز او إقصاء.
إن الطبقة السياسية بأحزابها ونخبها مدعوة إلى التخلي عن غرورها ونرجسيتها وحساباتها الضيقة وهوسها المرضي بالسلطة والحسابات والتكتيكات الانتخابيّة والانصراف إلى البحث عن المشاركة السياسية الواسعة والتوافق الوطني الكبير وفتح أبواب الأمل والتفاؤل على مصراعيها.