«الحريقة» نوعان الأول مخلوق بحري والثاني نبتة برية وكلاهما حارق لاسع لاذع يستوجب من كل من اكتوى باحداهما حك جلده كما لو كانتا جربا، ولست أدري لماذا كلما سمعت حديثا عن الحرية إلا وقفزت «الحريقة» على سطح ذاكرتي فلا أجد بدّا من حكها حك «المجراب» لموطن الجرب إلى درجة أنني أصبحت لا أفرق في المجلس التأسيسي بين من يتحدث عن الحريات العامة ومن يتحدث عن «الحريقات» العامة وتضمينها في الدستور ومنها حريقة المرأة وحريقة التظاهر وحريقة الاعتصام وحريقة الاضراب وحريقة التعبير وهي «حريقات» تعبير كلها يتحول فيها الأذرع المفتولة إلى ألسنة كلماتها لكماتها ويتحول فيها السيف والخنجر والسكين والساطور وشفرة الحلاقة والسلاسل والعصي والهراوات والحجارة والقوارير الحارقة إلى أقلام للزينة والكتابة والتسطير بالأحمر القاني من الدماء والأسود القاتم الحالك من فحم الحرائق تحت جملة إسميه مفيدة بليدة واحدة يكون فيها الضرب مبتدأ أو الموت خبرا. «حريقات» تعبير يركب أفعال الأمر في نهاية الأمر وأهمها أربعة «اقص أكنس إكبس واقتل». وماذا بقي للشعب الكريم المؤمن بأن «ما يبكي لك كان شفرك وما يحك لك كان ظفرك» أمام هذه «الحريقات» العامة إلا أن يطيل الله في أظافره للحك وأن يرزقه من جلد القنفود شوكه ومن «القرداش» أسنانه ومن الدستور «الكاغط لحرش» وإن نادى المنادي «الشعب التونسي حر» و«هرمنا من أجل هذه اللحظة» وظهر أسد في الجزيرة الوثائقية في المحمية القطرية لأزهار الربيع العربي والحريقات العامة.