إستحوذ ملف المضربين عن الطعام والبالغ عددهم أكثر من 200 شخص على اهتمام الإعلام والحقوقيين والمجتمع المدني والحكومة لاسيما وقد اتصف إضرابهم بالوحشي أودى بحياة شابين محسوبين على التيار السلفي. المضربون عن الطعام موجودون في سجن المرناقية لا فقط بسبب أحداث السفارة الأمريكية بل كذلك بسبب أحداث أخرى كأحداث بئر علي بن خليفة والروحية . واتصف إضرابهم بالوحشي جراء رفضهم لتناول حتى الماء والسكر والخضوع للعلاج عند تردي أحوالهم الشخصية وهو ما أودى بحياة الشابين بشير القلي ومحمد بختي رحمهما الله. وربما ساهم موتهما في إصرار بقية المضربين عن الطعام حيث يتم نقل مجموعة منهم يوميا إلى المستشفيات للخضوع إلى العلاج.
إقناع متواصل
وحاولت وزارة العدل حسب مصادرنا إقناع المضربين عن فك إضراب الجوع أو التراجع على الأقل عن الإضراب الوحشي واستعانت بالمجتمع المدني والحقوقيين. وتولت صباح أمس تنظيم زيارة إلى سجن المرناقية بحضور عديد الجمعيات والمنظمات الحقوقية الوطنية ومنها منظمة حرية وإنصاف والجمعية الدولية لمساندة المساجين السياسيين ومركز تونس للعدالة الإنتقالية والمنظمة التونسية للإصلاح الجزائي والأمني والجمعية التونسية لمناهضة التعذيب وجمعية المحامين الشبان ومنظمة العفو الدولية. وذكر مصدرنا أن المضربين البالغ عددهم 110 إلى غاية أمس هم بالنسبة للوزارة مواطنون تونسيون وأنها لا تنظر إليهم على اساس الإنتماء الإيديولوجي.
واضاف أن الزيارة إلى المرناقية هي محاولة لفك الإضراب وهي ليست الأولى بل سبقها الكثير من المحاولات خاصة للمرحوم محمد البختي الذي تم الإستعانة بأمه لفك إضرابه لكنه رفض وقال: «إنه تم صباح أمس جلب علي الطرابلسي إلى مستشفى شارل نيكول بصعوبة كبيرة جراء تمسكه بعدم الخضوع إلى العلاج.
وأضاف أن ممثلي المجتمع المدني حاولوا صباح امس إقناعهم لرفع الإضراب الوحشي على الأقل وقبول المداواة وأكل الماء والسكر وذلك لهدف التمكن من مساعدتهم على تحقيق مطالبهم وتمكينهم من السراح الشرطي.
وتساءل أطراف المجتمع المدني خلال الزيارة عن إمكانيات وضع المضربين عن الطعام بمفردهم فكانت إجابة مدير السجون أن وجودهم وسط مجموعة أفضل من حيث التأثير النفسي وتوفر إمكانية الرغبة في الأكل أو مساهمة بقية المساجين في إقناعهم.
فك الإضراب
وبات فك الإضراب هو الشغل الشاغل للوزارة التي بينت أن المسألة بيد القضاء وهو الوحيد القادر على الإسراع في البت في قضايا المضربين كما بات الشغل الشاغل للمجتمع المدني الذي لا يستطيع الوقوف مكتوف الأيدي حيال الجانب المتعلق بحقوق الإنسان في هذه القضايا رغم جميع التحفظات على ما يروج عن السلفيين وعن ممارستهم للعنف فالسلفي هو إنسان بدرجة أولى ومواطن تونسي بدرجة ثانية بغض النظر عن التوجه الإيديولوجي وبالتالي عقابه يجب أن يكون عادلا ووفقا للأدلة والبراهين لا وفقا لانتمائه.
وبعد وفاة المرحوم بشير القلي ومحمد بختي دخل أسامة العوني وحسن الهمامي في إضراب جوع وحشي وحسب بلاغ وزارة العدل الصادر يوم أمس فقد فك الشابان إضرابهما بعد تدخل عائلاتهما والوزارة ومنظمة حرية وإنصاف. وأفادت الوزارة في ذات البلاغ أنها عقدت سلسلة من الإجتماعات مع عديد الشخصيات الممثلة للمنظمات الحقوقية.
وذكرت أنها تواصل مشاوراتها مع مختلف الفاعلين الحقوقيين حول وفاة المرحومين بشير القلي ومحمد بختي ومجهودات الوزارة ودور المجتمع المدني في معالجة ظاهرة الإضراب عن الطعام داخل السجون.
وذكرت الأستاذة راضية النصراوي رئيسة الجمعية التونسية لمناهضة التعذيب أن الجمعية تتابع حالة المضربين وتساهم في محاولات فك إضرابهم من خلال زيارة كاتب عام الجمعية لهم لاسيما صباح أمس مع بقية ممثلي المجتمع المدني.
وقالت قدري أن أدافع عن المساجين مهما كانت انتماءاتهم ففي عهد بن علي دافعت عن الإسلاميين وبعد الثورة أدافع عن السلفيين لأن كل فرد يتعرض للتعذيب في السجون يهمني أمره وحتى وإن تم سجن بن علي نفسه وتعريضه للتعذيب فسوف لن أسكت عن ذلك فكرامة الإنسان وحقوقه مبدأ لا محيد عنه.
مواصلة الإقناع
ويذكر أنه تم ليلة أول أمس نقل 10 مضربين عن الطعام ليلا إلى مستشفى شارل نيكول منهم 3 في حالة حرجة ولم يستبعد مصدرنا صحة المعلومات لأنه يوميا يتم نقل مضربين عن الطعام إلى المستشفيات. وأكد أن محاولات الإقناع عن إضراب الجوع سوف تتواصل بما يمكن من تهيئة الظروف الملائمة للتحقيق وإنقاذ بعض الحالات التي دخلت في مربع الخطر .
وأشار إلى أن وزارة العدل ومنذ بداية الإضراب أصدرت بيانات ومنها البيان التالي:
تعلم وزارة العدل أنّه تم فتح تحقيق في ظروف وفاة المرحوم بشير القلي بأحد مستشفيات العاصمة رغم ما بذله الطاقم الطبي من جهود لإنقاذه مؤكدة أنّ ادارة السجون قامت بعديد المساعي من أجل إقناعه هم وزميله الموقوف معه بسجن المرناقية المتهم محمد بختي بإيقاف اضراب الجوع الذي دخلا فيه غير أنهما أصرّا بشدة على مواصلته ما أدى إلى تعكر حالة المرحوم بشير القلي الصحيّة ووفاته أمس الخميس.
وتوضح الوزارة أنّها، بالإضافة الى عديد الأطراف، سعت الى اقناع المضربين عن الطعام بأن التتبع القضائي يجري وفق القانون وأن القضاء ينظر في الملفات باستقلالية وألاّ مبرر للإضراب عن الطعام لاسيما وأن حقوقهم كموقوفين محفوظة ويعاملون باحترام شأنهم في ذلك شأن بقية الموقوفين دون أيّ تعدّ من إدارة السجن على كرامتهم وحرمتهم البدنية والمعنوية.
كما يهم وزارة العدل أن تبين أنها سعت في أكثر من مناسبة الى معاضدة مجهودات ادارة السجن عبر عدد من المسؤولين العاملين بها الى اقناع المضربين بفك الاضراب وفي هذا السياق التقى بهم رئيس ديوان وزير العدل يومي 7 و 9 نوفمبر الجاري لإقناعهما بفك الاضراب احداهما بحضور شقيق المرحوم غير أنهما رفضا الأمر كما التقى بهما الوكيل العام لدى محكمة الاستئناف بتونس يوم 6 نوفمبر الجاري وتكرر معه نفس الرفض مثلما تكرر مع قاضي تنفيذ العقوبات عند زيارته لهما.
ومن جهتهم سعى أعضاء بديوان وزير العدل الى دعوة عائلاتي المضربين لإقناع ابنائهما بالتوقف عن الاضراب وتم تمكين أفراد عائلتيهما ومحاميهما من مقابلتهما عدة مرات غير أن اصرار المضربين على الرفض أفشل المساعي الهادفة الى اقناعهما بوقف الاضراب حتى أن المرحوم بشير القلي رفض مقابلة والدته في احدى المرات ولم يستجب إلا بعد عدة محاولات من الاطار السجني كما رفض مقابلة امام خطيب أرسلته وزارة الشؤون الدينية بهدف اقناعه بفك الاضراب.
يذكر أن الشابين بشير القلي ومحمد بختي تم ايداعهما بسجن المرناقية يوم 20 سبتمبر الماضي عقب صدور قرارات ايقاف في حقّهما، صحبة عدد آخر من المشتبه بهم، من قاضي التحقيق لدى المحكمة الابتدائية بتونس بمناسبة التتبعات القضائية التي انطلقت عقب أحداث السفارة الأمريكية في 14 سبتمبر الماضي، ولا يسع وزارة العدل إلا التعبير عن أسفها وحزنها لوفاة المرحوم بشير القلي راجية من الله أن يرزق أهله وذويه الصبر على افتقاده. تقرير بشأن السجين بشير القلي:
20 سبتمبر 2012: ايداع المرحوم بشير القلي بسجن المرناقية، أثناء فحصه عند الايداع لم يذكر أن له أية سوابق مرضية. 24 سبتمبر 2012: أكد فحص أجري عليه بمصحة السجن أنه بصحة جيدة. 28 سبتمبر 2012: المرحوم يصرح بأنه دخل في اضراب جوع منذ 25 سبتمبر، وأكد فحصه أنه بصحة جيدة. 11 أكتوبر 2012: أكد فحصه بمصحة السجن أنه بصحة جيدة وتم اخضاعه الى عملية رقابة طبية يومية. 31 أكتوبر 2012: تم توجيهه الى مستشفى المنجي سليم بالمرسى أين تمت تغذيته عن طريق الشرايين نظرا لتدهور حالته الصحية وإصابته بهبوط في ضغط الدم وإعادته بإذن من الطبيب الى السجن. 4 نوفمبر 2012: تم نقله الى مستشفى شارل نيكول أين رفض العلاج. 6 نوفمبر 2012: تم توجيهه الى مستشفى شارل نيكول نظرا لإصابته بهبوط في ضغط الدم. 8 نوفمبر 2012: رفض العلاج عندما تم توجيهه الى مركز الطب الإستعجالي بمونفلوري. 9 نوفمبر 2012: أكد فحص أجري عليه بقسم الإستعجالي بمستشفى شارل نيكول أنه في حالة صحية جيدة. 10 نوفمبر 2012: تم نقله الى مستشفى الهادي الرايس لإجراء فحوص اقتضتها حالته ثم تم توجيهه الى مستشفى شارل نيكول حيث أكد فحص أجري عليه هناك أنه في حالة مستقرة. 12 نوفمبر 2012: تم نقله الى مستشفى شارل نيكول وتمت تغذيته عن طريق الشرايين. 13 نوفمبر 2012: تمت تغذية المرحوم بشير القلي داخل السجن عبر الشرايين وتمكينه من شرب كمية من الحليب وتم نقل محمد بختي الى مستشفى شارل نيكول. 14 نوفمبر 2012: تم الاحتفاظ به في قسم الانعاش بمستشفى شارل نيكول. 15 نوفمبر 2012: وفاة المرحوم بشير جلول محمد القلي بقسم الانعاش بمستشفى شارل نيكول على الساعة 19.05.
هيئة الدفاع
الأستاذ أحمد بلغيث عضو في لجنة الدفاع عن القضايا العادلة ينوب ملفات المضربين عن الطعام حاولنا الإتصال به مرارا ولم نتمكن من ذلك إلا بعد خروجه من اجتماع مطول بوزارة العدل دام حتى الساعة الرابعة والنصف زوالا .
وأفاد في تصريح خاطف أن المضربين عن الطعام متمسكين بإضراب الجوع. وأضاف لقد اتفقنا على التراجع عن الإضراب الوحشي وتغذية الجسم على الأقل بالماء والسكر لمدة أسبوع وفي حال عدم التعامل مع ملفاتهم بجدية فإنهم سيعودون للإضراب الوحشي.
وقال: «هؤلاء قالوا إنه إن لم يعد مرغوب فينا في بلادنا فالذهاب إلى ارفيق الأعلى أفضل بكثير». وأوضح أن ملفاتهم واهية لا شيء فيها يتضمن الإدانة والإيقاف ووجودهم هناك هو ناتج عن سوء التصرف في أبحاث الداخلية وعدم نزاهة القضاء والرغبة في محاكمتهم على أساس الإنتماء إلى تيار معين وإطلاق بطاقات عشوائية في شأنهم.
وأكد أن الموقوفين المضربين عن الجوع تجاوزوا المائتي شخص وقضاياهم لا تهم فقط السفارة الأمريكية بل كذلك ملف العبدلية وملف نسمة ... وقال: «نحن كهيئة دفاع نطالب بإطلاق سراح الموقوفين والإفراج عنهم فورا والتحقيق معهم وهم في حالة سراح إن أرادوا استكمال الملف».