من الأفلام الوثائقية التي شدّت الجمهور في هذه الدورة من أيام قرطاج السينمائية، الشريط الوثائقي «في المقلوب» للمخرج السينمائي أشرف لعمار. «في المقلوب» انطلق تصويره قبل الثورة التونسية كما ان المخرج اختار الابتعاد عن الثورة وكل ما يمكن ان يرتبط بها من أحداث وفضل مواصلة طرحه لموضوع كان من المحرّمات أو من المواضيع المسكوت عنها.
«في المقلوب» فيلم وثائقي مدّته 52 دقيقة، أنتج في سنة 2012 مدير تصويره علي بن عبد الله ويحكي هذا الفيلم عن نوع من أنواع القمار، وهو المراهنة على الخيول أو ما يطلق عليه «التيارسي».
وهذا الموضوع لأول مرة يقع التطرق له في السينما التونسية. لذلك صرّح عديد الحاضرين من جمهور أيام قرطاج السينمائية في عرضي هذا الفيلم الأولين بقاعتي أميلكار وABC بأنهم لأول مرة يكتشفون خفايا وأسرار وحقيقة هذا النوع من القمار.
وتجدر الإشارة الى أن «في المقلوب» حاول الإلمام بآراء وتصوّرات مختلف مرتادي «التيارسي» بطريقة محايدة دون أن يدخل في التحليل والتحريم، تاركا المجال مفتوحا أمام المشاهد كي يفكّر في الموضوع ويحكم بعقله دون تأثيرات جانبية.
«في المقلوب»
عنوان الفيلم في حد ذاته كان مبهما بالنسبة الى الجمهور لكن هذا العنوان، كما اتضح خلال مشاهدة الفيلم وحسب تصريح المخرج أشرف لعمار هو مجرد عبارة متداولة لدى الناس الذين يمارسون هذا النوع من القمار.
كما يقول مخرج «في المقلوب» ان فيلمه كان توثيقيا وإنه اكتشف أثناء التصوير أن كل الشرائح تمارس هذه اللعبة، اي لا فرق بين غني وفقير ومتوسط الحالة الاجتماعية ولا فرق ايضا بين رجل وإمرأة وكذلك تجد أصحاب الاحتياجات الخصوصية وغيرها من النماذج الموجودة بمجتمعنا..
أمل مستحيل
أما بخصوص الرسالة غير المعلنة للفيلم والرمزية فتتمثل في أن ممارسي لعبة «التيارسي» يلهثون وراء حلم لا يتحقق ولكنهم لا ييأسون من اللعب يوميا رسالة رمزية دعّمها المخرج بمشهد الحصان الذي ولد أمام الكاميرا وكيف كان يحاول السير فيسقط ثم يحاول الوقوف مجددا، تماما كممارسي لعبة «التيارسي» يخسرون ولكنهم لاييأسون. وكأنهم واثقون من المستحيل حدّ الفخر بما يمارسون حتى يكاد الواحد منهم ينطق (مع المعذرة لأبي الطيب المتنبي):
فهذه الفئة من المجتمع (التي تمارس لعبة «التيارسي») كانت في الظلام مسكوت عنها، وكأنها الإرادة السياسية «فليلعبوا ما دمنا نلعب» لذلك يطرح الفيلم في مضامينه البعيدة تساؤلات وجودية تمرّ كالخيط يراه العقل ولا تلمحه العين على الشاشة.