يوصف السّلطان يمرض غامض، فإذا اكتشف علّته طبيب حاذق عقد معه عهدا: «إن شفيتني أعطيك بنتي والشّطر في محكمتي». هكذا يحكي الفداوي وتقول خرافة» عيشة بنت السّلطان»، وفي الزّمن القريب و البعيد ثبت أنّ ابنة الحاكم تحمل دوما في جهازها نصف المملكة ، تأخذه من أبيها بالدّلال أو بالدّهاء ، حاشرة الزّوج الدّخيل في حاشيته المقرّبة لتنفتح في وجهه الأبواب المغلقة. ففي النّظم الملكيّة حتّى وإن لم يعط للأصهار حقّ ولاية العهد فإنّهم منحوا في المقابل فرصا كثيرة للتّدخّل في قرارات العائلة وفي إدارة شؤون الدّولة ، ومهّدت السّبل أمامهم لاكتساب المال ونجاح الأعمال ، حتّى وإن تجاوزوا بعض القوانين. وقد عرف عن الرّسول الكريم حبّه لصهره عليّ « ذو النّورين» وقوله عنه : «أنا مدينة العلم وعليّ بابها» ، وذهب الشّيعة إلى أنّه أوصى له بالخلافة بعده في حديث يوم الغدير الذي لا يختلفون حوله حتّى وإن أنكره أهل السّنّة.
كان للأصهار صولات في تصريف الحكم أيّام البايات الحسينيّين، فبعضهم نجحت تجربته وحسنت أعماله مثل مصطفى خوجة الذي زوّجه علي باشا الثّاني ابنته وولاّه الوزارة فأصلح حال الدّولة وأدارها بكفاءة أيّام صهره نفسه ثمّ أيّام ابنه حمّودة باشا . والبعض الآخر كان قبيح السّيرة فاسد السّريرة مثل مصطفى خزندار الذي زوّجه أحمد باي الأوّل ابنته كلثوم وولاّه الوزارة الأولى فأفسد أحوال المملكة وعبث بكلّ ما قدر عليه، بل وزاد في غيّه على عهد الصّادق باي. أمّا صهر آخر البايات الدّكتور بن سالم زوج الأميرة زكيّة ابنة الأمين باي فهو وإن لم يبلغ درجة الوزير الأوّل إلاّ أنّه تقلّد وزارة الصّحّة في أيام الاستقلال .وقد كان من قبلها يؤثّر في الأحداث ويشارك الشاذلي باي في التّدبير من وراء ستار.
2
بعد الاستقلال لم ينتقد النّاس كثيرا تعيين الرئيس بورقيبة لابنه حبيب وزيرا للخارجيّة ، لأنّ الفتى تربّى في أحضان حزب الدّستور وعاشر مناضليه ، وإنّما انتبهوا جيّدا إلى الحظوة التي نالها صهر جديد جاءته به زوجته الثانية ، التي اجتهدت في ضمّه إلى عائلة الرئيس وتقريبه منه، ممّا أتاح له البدء بإدارة مشاريع عمومية كبرى ، والانتهاء بتولّي سفارة.
أتذكّر أنّ وفدا ضمّني مع هذا الصّهر لزيارة بلد صديق، وقد خصّصت للوزير الذي يقودنا سيّارة ولأعضاء الوفد الثلاثة ثانية، فكنت أركب في كلّ مرّة بعفويّة حيثما اتّفق، إلى أن همس لي الوزير بتخصيص الكرسي الأيمن الخلفي لصهر الرّئيس، وهذا تقدير اعتباري يجهله رجل مثلي لم يقدّر بركات «التّصاهر» حقّ قدرها، وغاب عنه الكثير من أمرها.
سيذكر المؤرّخ عندما يصل إلى عصر بن علي أنّه كان عهد الأصهار، على أوسع مدار، عهدا شمل خيره الإخوة وأبناءهم والأخوات وأزواجهنّ وأبناءهنّ. وكان البدء بالأصهار من الزّوجة الأولى وبأشقّائهم، ثمّ جاء دور بنات الزّوجة الثّانية، فنال منه الفتى صخر الصّهر المميّز أكبر الحظوظ، فكسب هو وعائلته ثروة عظمى ، وصعد سلّم الوجاهة كما لم يسبقه إليه سابق، ولم يلحق به لاحق. فاض الخير كذلك على الحماة وصاحباتها وإخوتها وأخواتها وعلى أصهار ونسائب لا تشي ألقابهم بصلة قريبة أو بعيدة لبن علي أو زوجته.
ثمّ عندما يصل المؤرّخ إلى ما بعد الثّورة و الانتخابات سيذكر أنّ حزب النّهضة بعد مسكه بمقاليد الحكم ودواليب الدّولة قسم زعيمه غنيمة المناصب على الخلّص من أصحابه بدءا بذوي القربى، فأعطى وزارة الخارجيّة لصهره رفيق زوج سميّة ابنته المدلّلة. وياليته وازن بين علم صهره الضّئيل وقدر هذه الوزارة الجليل، وياليته وقد رأى من بعد أخطاءه، أن يطلب إعفاءه، فيحفظ للبلاد ماء وجهها، وفي الآفاق حسن ذكرها. كم كانت خيبتنا كبيرة نحن الذين ظننّا أنّ منظومة الأصاهر والأواصر زالت، ودولتها دالت، وإذا بها تعود، كأنّها طبع مغروس، متأصّل في النّفوس، أو تراث جينيّ تركه الأسلاف للأخلاف، أو عادة طيّبة ألفها المجتمع فلم يعد يتصوّرها عيبا فيداريه، أو سلوكا دنيئا فيخفيه.