عن دار سحر للنشر بتونس صدر للأستاذ احمد الحمروني كتاب يتعلق بتاريخ الكاف ومآثره وآثاره واعلامه. وللأمانة أقول أن هذا الكتاب الذي طُبع على 200 صفحة ويحوي جملة من الصور والرسوم القديمة لمدينة الكاف وصورتين لمخلفات الغارة الجوية الفرنسية على ساقية سيدي يوسف سنة 1958، يُعتبر وثيقة تاريخية تعزّز رفوف المكتبة التاريخية وتساعد الباحث على الاستفادة. بيد أن الذي يطلع على فحوى الكتاب ومختلف ابوابه وعناوينه وفقراته ويكون طبعا على اطلاع ولو قليلا على تاريخ هذه الربوع المجاهدة يجد كثيرا من النقاط التاريخية والبعض من العادات والتقاليد في حاجة الى الاضافة ومزيد التوضيح. والحقيقة ان ذكر بعض الاعلام والشخصيات من الكاف كان يمكن له ان يتوسع اكثر لأن هذه الربوع أنجبت الفطاحل منذ بداية تاريخ نشأتها وفي ذلك تعريف بهم وتشريفا للمدينة الأولية.. وكل الجهة كما كان من الواجب ان نذكر: الشيخ البحري بربوش (عميد المناضلين بالجهة) الذي أسس من أجل غرض سياسي وانساني سنة 1935 أول فرقة للتمثيل بمعية المرحومين محمد الصالح بن فرج والشيخ الزلزولي، وبعد أول فوج للكشافة المسلم التونسي سنة 1935 وهو الوحيد بالمنطقة الى جانب تأسيسه للشعبة الدستورية وأول جامعة دستورية. محمد المختار بن جنات اول من أسس فرقة «السنابل» وهو المعلم والأديب القصاص (أصيل قفصة) وكان معه في البداية محمد بن عثمان وعمار بوثلجة وعمر دغمان وسعاد دغمان وفلة منصور وزهرة صالح (شقيقة بن عثمان) وفاطمة العبيدي وعروسية وسلاتي... ثم وفي عهد الاستقلال جاءت الفرقة البلدية التي استقطبت عناصرها من ممثلي فرقة السنابل والبعض من فتيان الفرق الكشفية. اما اذا تحدثنا عن الفن لا ننسى الرائد الأول في الغناء الشعبي والمالوف المرحوم الصحبي المصراطي الذي تواجد على الساحة الكافية اثر الحرب العالمية الثانية. اما الاعلام والعلماء وشيوخ الزيتونة والفنيين فإن بداية من البداية التاريخية للبلاد اسماء لا تعد ولا تحصى في البحث والافتاء والتدوين والترحال والشعر ونظرا لضيق المجال فإننا نتعرض بالذكرلأسماء كبيرة ومهمة تواجدت خلال القرنين الماضيين ومنهم: البشير الرزقي حسن الغماري علي الشنوفي محمد الصادق بن بشير محي الدين السنوسي زين العابدين السنوسي عبد الله الفضيل المفتي الطاهر بن عمار الهادي بن عمار محمد النفطي الأدب العكرمي ومحمود المرزوقي الذي انهى تعليمه بالمحتشدات والسجون والدكتور البشير بن علية الذي اغترب وهاجر وذاق الحرمان من أجل طلب العلم. وفي مجال المرأة على مختلف المستويات الأسرية والتعليمية والعائلية والثقافية لابد من معرفة المرأة الكافية على أصلها وتاريخها وهي التي كان لها الاثرالمباشر في تاريخ البلاد من خلال ما أنجبته من رجال لعبوا الدور الحاسم في تأسيس الدولة الحسينية .... وفي استمرار على مدى قرنين ومن هنّ: قفصية الشارنية (والدة حسين بن علي) والشنوفية (والدة محمد الرشيد باي) وغزالة الشارنية (والدة الأمير علي) وحناشية (زوجة علي باشا الثائر على عمه حسين بن علي) هذا في الماضي البعيد وإضافة لما ذكره المؤلف فإن مدينة الكاف خلال آخر فترة الاستعمار قدمت جملة من المناضلات المثقفات والمجاهدات ومن بينهن: جميلة جاء بالله (التي استقطبها شقيقها المناضل المرحوم محمد الهادي الكافي وأدمجها في النشاط في خضم حلقات الكفاح الوطني صحبة المرحومة زكية زهير والمناضلة غزالة كريديس ثم المناضلة السيدة عمار والتي هي اول مهندسة معمارية والفنانة التشكيلية بالكاف ومؤسسة أول فرع للبنات التابع لاتحاد الطلبة وهي لا تزال طالبة وجعلت من بيت والدها ناديا ومأوى لهن وكان لتحركهن دور فاعل في حركة الشباب الكافي خلال فترة الاستعمار ثم كانت هذه المهندسة الشابة بعلمها وفنها من المساهمات في بناء الدولة العصرية ونشأة ديوان الصناعات التقليدية. اما حسنية خليل قياس فقد كان لها دور فعال في حركة المرأة الكافية وباعثة لمركز تكوين الفتاة في الصناعات التقليدية والزرد والخياطة. وأيضا المعلمة ثم المرشدة البيداغوجية بوبية الشابي التي اسست اول فرع للشبيبة النسائية. وكذلك الشاعرة بالفرنسية والمرشدة الاجتماعية عربية قياس وإن ننسى فلا ننسى السيدة آسيا بربوش ابنة المناضل الشيخ البحري بربوش وزوجة المناضل محمدالهادي الكافي التي جمعت في عطائها للبئات الثلاث فهي الامّ والمعلمة والقائدة الكشفية التي كان لها الفضل في بعث أول وآخر فريق للجوال (بنات في تونس وذلك بدعم من المناضلين زكرياء بن مصطفى ومحمد الصيد وزوجها محمد الهادي الكافي وكان لخريجي هذا الفريق دور كبير لاحقا في بناء الدولة العصرية. ومن بين تلميذات المعاهد الثانوية آنذاك برزت جملة من الشابات من عائلات معروفة بالنضال الوطني (رغم صغر سنهن) وعرفن بالتشويش والتظاهر والاثارة ومنهن: شريفة بلحاج التي اطردت من المعاهد كافة لنشاطها الثوري وايضا شريفة شقرون وشريفة مرزوقي التي كان وراءها شقيقها المناضل محمود المرزوقي. وكان للحياة الاجتماعية وما فيها من أساطير وحكايات وفولكلور وعادات وتقاليد دلالة واضحة على عراقة هذه الربوع وجعلها من أبرز الجهات المحافظة على أصلها والمتشبثة بتقاليدها والمرتبطة ارتباطا عضويا بجذورها. ولعل لتلكم الاحتفالات والنجمات والسهرات والتفاعلات دور كبيرفي الاحتكاك والتثقيف خاصة بعد خروج فصل الربيع بخيراته وروعته وجماله ودخول فصل الصيف موعد اللقاء الحضاري والاختلاط الثقافي بالوافدين من الهطايا من عروش الهمامة والجريدية والقطارية للحصاد وتنظيف النوادر واعداد العولة وتأثيث مخازن البيوت ليوم الغد. ففي هذا الجوّ التوديعي للربيع والاستقبالي للصيف تكونت ثقافة فنية وتقليدية زاخرة وذات امتزاج بانفاس من الكاف والجهات الوافدة وأنتجت الاساطير الشعبية والاغاني الفولوكلورية وحتى التصاهر والتناسب ولعل من اهم الاغاني التي لا تزال منتشرة لحدّ الآن هي: برّها الشايب روح ولدك راهو لاى مولاه وأيضا: بين الوديان نا دمّي يقطر وأيضا: شور الهطايا وكذلك: ريم الفيالة وكذلك: تلّفْت صغرك وآش تعملي بالزين ثم: زعرة مصقولة النّاب أخيرا بقدر ما أجلّ واحترم الاستاذ المؤرخ على مجهوده وعطائه ومبادرته لبلد عاش فيها مربيا استفاد منها كما أفادها. فإني اشير الى انني بهذه العجالة وكذلك الاستاذ الحمروني بهذه الوثيقة المهمة نكونُ قد ساهمنا بجزء قليل في افادة هذه الجهة التي أحببناها معا.