يواجه شكري بلعيد، المنسق العام لحركة الوطنيين الديمقراطيين والقيادي بالجبهة الشعبية، هذه الأيام، اتهامات عديدة من قيادات حركة النهضة ومن بعض وزراء الترويكا بالتحريض على العنف.. اتهامات جعلت بلعيد يخرج عن صمته ليرد عليها بطريقته.. في حوار خاطف مع «الشروق»، تحدث شكري بلعيد عن حقيقة هذه الاتهامات وعن اسباب رفضه حضور عشاء إلى جانب زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي دعاهما إليه رئيس الجمهورية المؤقت ليلة أول أمس الجمعة.. كما تحدث عما وصفه ب«هجمة» وزير الداخلية علي العريض عليه إضافة إلى موقفه من «التحركات» الاخيرة لحركة النهضة على خلفية ما يحصل في البلاد من احداث متتالية.. بداية لماذا رفضتم حضور العشاء الذي دعاكم إليه رئيس الجمهورية ليلة أول أمس الجمعة ؟
هي ليست الدعوة الاولى التي يخصني بها رئيس الجمهورية المؤقت الدكتور منصف المرزوقي، وقد سبق ان لبّيتُ دعواته وثمنت مبادراته في تقريب الحوار بين الفرقاء السياسيين خارج الاطار الرسمي وقلت أكثر من مرة إن ذلك يشجع على تلطيف الاجواء. غير ان ما حصل في دعوة الجمعة هو علمي مسبقا بحضور زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي هذا العشاء فلم استطع تلبية دعوة الرئيس الذي نكن له كل التقدير والاحترام. ما أسباب ذلك ؟
لأني لست مستعدا للجلوس على نفس الطاولة مع من يحرض على العنف بشكل يومي ويحمي الميليشيات والبلطجية ويدافع عنها ويعتبرها ضمان الثورة.. لا يمكن الجلوس مع شخص برر وحرض على العدوان الهمجي الذي تعرض إليه اتحاد الشغل في بطحاء محمد علي منطلق ثورة 14 جانفي 2011. في تقديري حضوري كان سيكون رسالة خاطئة تساهم في تسويق ان ما وقع عادي وهيّن ويمكن ان يتكرر دون محاسبة. ما قام به الغنوشي هذه الايام هو دعوة للانقسام وللعنف وأكثر من ذلك لم يكلف نفسه مجرد الاعتذار لشعب تونس على ما حصل يوم 4 ديسمبر.
كيف تفسرون هذه «التحركات» الأخيرة لحركة النهضة ؟
هذه التحركات وجب ربطها بمسار كامل.. ففي رأيي النهضة تعيش الآن حالة من العزلة السياسية المتصاعدة والخانقة وحالة من التقلص والانكماش الجماهيري الشعبي ( على مستوى قاعدتها الجماهيرية ) خاصة بعد تتالي الفشل في الحكومة وضعف الاداء وانعدام الكفاءة وغياب الكوادر فيها وهو ما أصبح محل اجماع وطني. والغريب ان كل ذلك يتزامن مع سعي من النهضة للتغول وللهيمنة دون ادراك لصعوبة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المطروحة في هذه المرحلة الانتقالية. وينضاف إلى ذلك اصابة حلفائها بلعنة الاقتراب منها، فكل الذين تحالفوا مع النهضة إلا وعرفوا انقسامات وانشقاقات وهروب جماعي.. كما ينضاف لذلك أيضا إطار اقليمي لا يمكن الخروج عنه. فالنهضة ورطت تونس في استقطابات ومحاور اقليمية واجندات اجنبية معادية للشعب. من ذلك تورطها في الملف السوري وفي الملف الفلسطيني عبر مناصرة لشق دون شق بما يعزز خيارات ضرب الوحدة الوطنية الفلسطينية و آخرها محاولة تكوين محور تونسي ليبي يستهدف الشقيقة الجزائر وهو في تقديرنا خط أحمر ادى لمزيد عزلة النهضة داخليا ودوليا واقليميا.
وما الحل في رأيكم للخروج من هذه الوضعية ؟
أرى أن هذا الواقع يجعل حركة النهضة امام خيارين : إما التفاعل الايجابي مع الواقع ومستجداته من خلال القبول بالحوار الوطني على قاعدة المصالح الحقيقية لتونس ومن خلال تشكيل حكومة كفاءات وطنية مصغرة لمعالجة الأزمة تقبل بجدول زمني محدد ودقيق ( دستور قانون انتخابي هيئات تعديلية ثلاث). ويكون التفاعل الإيجابي أيضا باتخاذ اجراءات فورية لفك الاحتقان والتوتر وخلق مناخ سياسي واجتماعي ايجابي بما يساهم في تحسين صورة البلاد في علاقتها بنفسها وببقية العالم وبالجوار. أما الخيار الثاني ( وهو الذي للأسف تنتهجه النهضة إلى حد الآن ) فهو الدفع نحو مربع العنف والفوضى والميليشيات والقمع والغاء الآخر والاقصاء. وأعتقد أن لجوء النهضة لهذا الخيار سيحولها إلى ضحيته الأولى باعتبارها عاجزة عليه وليس لها الامكانيات البشرية ولا الفكرية ولا السياسية ولا التنظيمية على خوضه إلى النهاية. وبالتالي فمن الافضل لها ان لا تنتهجه .
لماذا تصر النهضة إذن على خيار التصعيد في رأيكم ؟
التصعيد الذي تنتهجه النهضة هو في بعد من ابعاده نتاج لصراعات داخلية تعرفها هذه الحركة نتيجة حب السلطة والتكالب عليها. فمثلا اعتقد أن هناك رغبة واضحة من وزير الداخلية في الصمت حول الوضع الاخير وفي التواطؤ الصامت مع الميليشيات التي هاجمت الاتحاد وقبله في التسبب في تفجير الوضع في سليانة وغيرها من المناطق. وهذه الرغبة منه انما جاءت على خلفية وعده بان يكون رئيسا للحكومة بعد أن يقع استبعاد الجبالي وشقه. وقد سبق ان عبر عن ذلك العريض في زلة لسان خلال تصريح لوسيلة اعلام اجنبية عندما اعتبر نفسه يقوم بوظائف رئيس حكومة.
على ذكر وزير الداخلية علي العريض، هل له معك مشكلة شخصية، فقد ذكرك بالاسم مرتين في اخبار الثامنة على التلفزة الوطنية، واتهمك بالتحريض على العنف، ما الحكاية ؟
اسألوه هو فقد يكون ادرى واعلم بها مني.. اعرف اني آتيه في احلامه واشكل كابوسا له ولغيره لاني صوت الحقيقة والحق امام صوت العدوان والظلم والاكاذيب والاباطيل .
علي العريض وجه إليّ الاتهامات المتتالية منذ توليه وزارة الداخلية.. اتهمني في أحداث بن قردان وانصفتني محكمة التعقيب وكذبته.. اتهمني في سيدي بوزيد للتغطية على جرائم التعذيب التي ارتكبت في حق ابنائنا وهو المسؤول عنها طبقا لمعاهدة مناهضة التعذيب التي صادقت عليها تونس.. اتهمني بتحريض سكان بوسالم خلال الفيضانات على أساس اني ابن الجهة عوضا عن ايجاد حلول للمتضررين و اتهمني كذلك في أحداث مكثروسليانة..
لا استغرب ذلك لان الحكومات الفاشلة غير قادرة عادة على تحمل المسؤولية في مصارحة الشعب بالحقيقة و عادة ما تبحث عمن تتهمه وتلبسه خيباتها. أنا لا استغرب مطلقا تصريحات العريض او غيره من حركة النهضة فهذا الحزب خبرناه وعرفنا خطابه المزدوج واعتماده الكذب كسياسة منهجية داخله.. لكن ما يقلقني هو انه تحدث باسم وزير في حكومة وكان من المفترض ان يحترم هذا المنصب وهذه المسؤولية وان لا يحملها وزر الاتهامات الباطلة.
وجهتم اتهاماتكم ل«بعض الاطراف» من حركة النهضة.. فهل هناك اطراف اخرى داخلها مع لغة الحوار ؟
نعم ليس هناك حزب في العالم منسجم ومتناسق.. أعضاء النهضة بشر كسائر البشر وهناك مد وجزر داخلهم ولهم مصالح ورؤى وممارسات مختلفة.. هناك البعض منهم لا يريد هذا المنزلق لكنهم للأسف ليسوا بالأغلبية .. الأغلبية في النهضة لمن يدفع البلاد نحو الفوضى والعنف ولا يؤمن بالدولة الديمقراطية المدنية ولمن يعتمد الميليشيات والبلطجية ولمن يرى نفسه الوحيد المؤتمن على الله وعلى العقيدة وعلى الشعب وعلى تونس وعلى ماضيها و على حاضرها و على هويتها..