خلال لقائه الحشاني/ سعيد يفجرها: "نحن مدعوون اليوم لاتخاذ قرارات مصيرية لا تحتمل التردّد"    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب..ما القصة..؟    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    طقس الخميس: سحب عابرة والحرارة تتراوح بين 18 و26 درجة    الإبقاء على الإعلامية خلود المبروك والممثل القانوني ل'إي أف أم'في حالة سراح    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    "تيك توك" تتعهد بالطعن على قانون أميركي يهدد بحظرها    بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    سعيد: لا أحد فوق القانون والذين يدّعون بأنهم ضحايا لغياب الحرية هم من أشدّ أعدائها    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    بداية من الغد: الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة من وإلى فرنسا    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    منوبة: الاحتفاظ بأحد الأطراف الرئيسية الضالعة في أحداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    انتخابات الجامعة: قبول قائمتي بن تقيّة والتلمساني ورفض قائمة جليّل    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    اكتشاف آثار لأنفلونزا الطيور في حليب كامل الدسم بأمريكا    تسليم عقود تمويل المشاريع لفائدة 17 من الباعثين الشبان بالقيروان والمهدية    رئيس الحكومة يدعو الى متابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع لسنة 2024    الاغتصاب وتحويل وجهة فتاة من بين القضايا.. إيقاف شخص صادرة ضده أحكام بالسجن تفوق 21 سنة    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تراوحت بين 31 و26 ميلمتر : كميات هامة من الامطار خلال 24 ساعة الماضية    مركز النهوض بالصادرات ينظم بعثة أعمال إلى روسيا يومي 13 و14 جوان 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    سيدي حسين: الاطاحة بمنحرف افتك دراجة نارية تحت التهديد    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    نابل: الكشف عن المتورطين في سرقة مؤسسة سياحية    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    أنس جابر تواجه السلوفاكية أنا كارولينا...متى و أين ؟    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التقاه خالد الحداد : الدكتور كمال عمران ل« الشروق» - ثورتنا تحتاج بعدا إتفاقيا... يرفد البعد السياسي و الإجتماعي
نشر في الشروق يوم 10 - 12 - 2012

«المنتدى» فضاء للتواصل مع قراء الشروق بصيغة جديدة ترتكز على معرفة وجهات نظر الجامعيين والأكاديميين والمثقفين حيال مختلف القضايا والملفات ووفق معالجات نظريّة فكريّة وفلسفيّة وعلميّة تبتعد عن الالتصاق بجزئيات الحياة اليوميّة وتفاصيل الراهن كثيرة التبدّل والتغيّر، تبتعد عن ذلك الى ما هو أبعد وأعمق حيث التصورات والبدائل العميقة اثراء للمسار الجديد الّذي دخلته بلادنا منذ 14 جانفي 2011.

اليوم يستضيف «المنتدى» الأستاذ كمال عمران الحاصل دكتورا الدولة في الحضارة العربية الاسلامية الحديثة وأستاذ التعليم العالي في مادة الحضارة العربية الاسلاميّة والباحث في هذا المجال وصاحب العديد من المؤلفات والمقالات.

وقد سبق للمنتدى أن استضاف كلا من السادة حمادي بن جاب الله وحمادي صمّود والمنصف بن عبد الجليل ورضوان المصمودي والعجمي الوريمي ولطفي بن عيسى ومحمّد العزيز ابن عاشور ومحمد صالح بن عيسى وتوفيق المديني وعبد الجليل سالم ومحسن التليلي ومحمود الذوادي ونبيل خلدون قريسة وأحمد الطويلي ومحمد ضيف الله والمفكر العربي الافريقي رشاد أحمد فارح واعلية العلاني وجمال بن طاهر وجمال الدين دراويل الّذين قدموا قراءات فكريّة وفلسفيّة وسياسيّة معمّقة للأوضاع في بلادنا والمنطقة وما شهدته العلاقات الدولية والمجتمعات من تغيّرات وتحوّلات.

وبامكان السادة القراء العودة الى هذه الحوارات عبر الموقع الالكتروني لصحيفتنا www. alchourouk. com والتفاعل مع مختلف المضامين والأفكار الواردة بها.
انّ «المنتدى» هو فضاء للجدل وطرح القضايا والأفكار في شموليتها واستنادا الى رؤى متطوّرة وأكثر عمقا ممّا دأبت على تقديمه مختلف الوسائط الاعلاميّة اليوم، انّها «مبادرة» تستهدف الاستفادة من «تدافع الأفكار» و«صراع النخب» و«جدل المفكرين» و«تباين قراءات الجامعيين والأكاديميين» من مختلف الاختصاصات ومقارباتهم للتحوّلات والمستجدّات التي تعيشها تونس وشعبها والانسانيّة عموما اليوم واستشرافهم لآفاق المستقبل.

وسيتداول على هذا الفضاء عدد من كبار المثقفين والجامعيين من تونس وخارجها، كما أنّ المجال سيكون مفتوحا أيضا لتفاعلات القراء حول ما سيتمّ طرحه من مسائل فكريّة في مختلف الأحاديث (على أن تكون المساهمات دقيقة وموجزة في حدود 400 كلمة) وبامكان السادة القراء موافاتنا بنصوصهم التفاعليّة مع ما يُنشر في المنتدى من حوارات على البريد الالكتروني التالي: news_khaled@yahoo. fr.

في تقديركم ما مصير التحولات الجارية منذ سنتين في الدول العربية ؟

الظاهر أنّ التحولات الجارية في البلاد العربية ناجمة عن حراك اجتماعي فعلي هو من التراكم الحاصل في الواقع العربي جراء الحكم الاستبدادي الغالب على الشعوب العربية ومعروف في أقوال العرب «اشتدي أزمة تنفرجي» واذا كانت التحولات من هذا القبيل فان مصيرها لن يكون الا ايجابيا فان التخلص من ظاهرة الخوف من البشر على المستوى السياسي علامة على التقدم في طلب أسباب العزة وان حفت العملية بتعطيلات و باكراهات متعددة.
وليس من الصدفة أن تقع التحولات من سنتين والسبب يعود في جانب منه الى المدّ الديني الذي طفق يشتد عوده تحت الضغوط السياسية المعادية الحاثة على تعطيل التيار الديني بطريقة لافتة اجتمعت فيها عناصر سياسية محضة بأخرى دينية. أما العنصر السياسي فيعود الى التخوف من الدين ومن الحركات الدينية تحت راية نلخصها في يقين لدى رجال السياسة بأن المتدين صامد وأنّه خصم مفترض في المسيرة التي تسطر للبلاد وهي لدى المتدين تقوم على الشريعة الاسلامية وينضاف نوع آخر من التهم اتفق فيها هوى رجال السياسة مع نداء كوني غربي المرجعية اتهم المسلمين بالارهاب وقد جعلت التهمة تشير الى أن المتدين ارهابي ما لم يأت ما يخالف ذلك .
فكان الشعور الديني في تونس بالذات يقوى ويتمكن تحت الضغط السياسي والبوليسي بشكل شمل الشباب أو جلهم ولم يكن لهم من الحلول العلمية الا ما تسمح به رواسب من الدروس انقطعت مع موت الشيوخ من قبيل الشيخ أحمد بن ميلاد والشيخ حسن الخياري والشيخ محمد صالح النيفر مؤسس التيار الاسلامي في تونس المعاصرة وكان الشيخ حسن الورغي الى سنة 2010 يقاوم بطرق عويصة من أجل القرآن ومن أجل الاسلام فكان زاد الشباب المؤمن منهم ومن القنوات الدعوية هذه الاشكالية تحتاج الى التحليل وان بايجاز.
ماذا عن مسألة الارهاب وقد ألمحتم الى أن التهمة ترجع الى استراتيجية من الغرب للحد من الصحوة الاسلامية؟

لقد نجحت التحولات الواقعة في البلاد العربية في تجاوز تهمة الارهاب نسبيا فالبحث في الارهاب محفوف بغايات سياسية ما زالت قائمة شأن ما يقع في سوريا واتهام الخصوم بالارهابيين والدراسة المتأنية ضرورية في المسألة.
ان الأسباب المفسرة لظهور تهمة الارهاب متعددة متداخلة ويعسر الوقوف المتأني عندها بالشكل العلمي ويحتاج الباحث الى كثير من الوقت والى كثير من المدونات والمصادر والمراجع ليتسنى أن يتدّبر شبهة الارهاب. ويزيد الأمر تعقيدا بغياب العزيمة لدى المواقع الرسمية وغير الرسمية في البلدان الغربية جلّّها على تعريف الارهاب حسب الأسباب الموضوعية وبمقتضى الآليات اللازمة وذلك جراء الاختلاف الواضح في المنطلقات والمقاصد وفي الغايات فضلا عن المصالح السياسية المتنائية. انّ الغموض الحاف بالارهاب يؤدي الى مساءلات تمسّ الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.

أما سياسيا فالمجال متسع للسلوك المبهم -على مستوى الظاهر - التابع للقرارات لدى رجالات السياسة المستعجلون باتهام الاسلاميين في بلدانهم بالنشاط الارهابي؟ووجه الغرابة متصل بالتنافر بين الوعي الشديد بالضرر الحاصل من تهمة الارهاب من جانب ومصداقية تطبيق التهمة على الاسلاميين من جانب ثان، فالاسلام يقوم على الرحمة وعلى قيم أصيلة لا يمكن أن تتهم بالارهاب والا سقطنا في التناقض المفضوح. ولهذه المصداقية الغائبة لم ينجح السياسيون في البلاد العربية ولم يفز النداء من الغرب بالمسعى التهديمي للصحوة الاسلامية فكان الاسلاميون يعملون داخل البلاد العربية بالحذر الممكن وبالتريث الواجب وباليقين في أنهم على الطريق السليم رغم الضغوط السياسية القائمة وكان الاسلاميون في الهجرة يجتهدون رغم المعاناة في التأسيس لمنهج نضالي علمي سياسي على وجه الخصوص .

وأما اقتصاديا فلعل خلخلة ثروات البلاد الاسلامية وفرض التبعية عليها للدول المتطورة من الدواعي التي فرضت تهديد الأمن في البلاد الاسلامية. أليست تهمة الارهاب من الأسباب التي تؤجل التنمية وتؤِخر النمو وتشجع على استيراد البضاعة من البلدان القوية اقتصاديا وهي غلاف يتمثل في حماية الغرب للنظم داخل البلاد العربية مقابل الاعانات الاقتصادية.
أما اجتماعيا فلتهمة الارهاب طاقة على كسر التوازن الاجتماعي وعلى بث الريبة داخل الهيئة الاجتماعية فضلا عن زعزعة الدعائم الممكنة من التضامن والتآخي بين أفراد المجتمع.

وأما ثقافيا فان تهمة الارهاب كانت حقيقة جراء الجهل بالدين وبأصوله أو كانت تخطيطا لمقاومة الصحوة الاسلامية من العلل تصيب الثقافة فتجعلها مريضة مرضا مزمنا لا تقدر على معالجته سوى المقاربة البيولوجية كما سنلمع اليها لاحقا. ولعل من الأسباب الواضحة المؤدية الى الأمراض الثقافية الجهل بحقيقة الدين - والكلام متصل في هذا السياق بالبلاد الاسلامية- ان الوقوع في الافراط أو في التفريط معلن بالمغالاة وباتباع السبل العنيفة في السلوك الثقافي بالنسبة الى المتدنيين تدينا خارجا عن الوسطية وعن الاعتدال ان لم نقل التسامح أيضا. انّ الثقافة الدينية المكتفية بالجزء دون الشمول وبالقليل دون التفقه في الدين لهي من الأسباب المؤدية الى تهمة الارهاب في نفوس هشّة لا الايمان الصحيح يملأ لها الفراغ ولا المعرفة الشرعية المتمكنة تغذي فيها الحاجة الى الدليل الشرعي. ألسنا ازاء قانون أول يضع الموانع اللازمة ضد تهمة الارهاب ومقتضاه التفرغ للعلم لدرء مفاسد الجهل؟ على أن العلم يحتاج الى التنبيه الى الفاصل في مرجعية المعرفة بين المعرفة القديمة والمعرفة الحديثة وقوام ذلك على الفرق بين مفهوم الهيمنة المفروضة قديما بين الظواهر والعلاقات شأن الصلة بين الحاكم والمحكوم والرجل والمرأة والسيد والعبد والخاصة والعامة. كما يحتاج الى فهم مقومات العالم الحديث وهي تستند الى مبدأ المشاركة بما تقتضيه من الكفاءة والمهارة. أليس العلم الراجع الى العلاقات المبنية على الهيمنة دعوة الى النشاز الحضاري وتكريس لأسباب لها علاقة بتهمة الارهاب؟أليس العلم المستأنس بالمشاركة دعوة الى الانفتاح الضروري للمعرفة حسب النواميس المقترحة من جوهر الثقافة المعاصرة؟ ملخص الفكرة أن تهمة الارهاب تستدعي اليوم في ظل التحولات في البلاد العربية النظر العلمي والتفطن الى المعاني الحافة بها ولعل المفكرين العرب بأيديهم تجلية المفهوم في ظل الحرية التي أتاحتها الثورة لهم.

في هذا المجال، أليس ما يعوز الفكر العربي الاسلامي اليوم التمكن من العقلية الاستشرافية وهي كلها تحمي الثقافة من كل مظاهر الخلل؟
نعم، كثرت في السنوات الأخيرة الدعوات الى النظر في مسائل الارهاب وتعددت الملتقيات وازدهرت الندوات والملتقيات في الغرض نفسه الا أن الافتراق في المناهج وفي الأغراض جعل جلّ الأعمال تكتسي صبغة شكلية ولم تشحذ العزائم على صون الجهود لتتآزر حتى تمكن الباحثين من مدونات علمية صالحة للدراسة ومنها على وجه الخصوص ذات الطابع الاستشرافي؟

ألم ينزل القرآن الكريم وهو يحرص على تطهير العقل العربي والعقل الانساني من الجاهلية ويدعوه الى الاسلام، اسلام الحرية وقد سطرت سورة الفرقان الفرقان الفاصل بين الحق والباطل وبين الهدى والزيغ وبين الرشاد والغي وقد جاءت الآية الكريمة تفصل الفرق بين المنهجين، يقول تعالى {وَعِبَادُ الرَّحْمَانِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَاِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ اِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) اِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) وَالَّذِينَ اِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا} (67) [الفرقان : 63 - 67]، أليست المقابلة مبنية على التنافر بين ثقافة العباد المرحومين وثقافة العبيد الجاهليين ، وفي المقابلة بين رحمة المسلمين وجهل الجاهلين قال الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور ان السلام في الآية سلام متاركة . فوجب أن يترك المؤمن قوة الجهل وهو البطش والشدة.
ألم ينزل القرآن وهو يبني ثقافة الاستشراف في ذهنية المؤمنين وهل من استشراف أبلغ من استحضار يوم الحساب مراقبة للسلوك واضطلاعا بالواجبات؟ أليس في قراءة سورة الفاتحة مع كل ركعة، دعما لثقافة الاستشراف تقول الآية الكريمة {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّين}ِ (4 [الفاتحة : 2 - 4] أليس الله مالك يوم الدين، يوم الحساب هو الذي يدعم عقلية الاستشراف بأن يراقب المسلم أعماله تجنبا للمحاسبة بالعقاب في مستقبل الأيام يوم القيامة؟فمجمل القول أن الثقافة القرآنية تستوجب التعامل مع المسلمين ومع غير المسلمين باللين القائم على قوة التمسك بالعروة الوثقى لا على ضعف الايمان والردود المتشنجة.

ويتسنى أن نقف علة مفهوم الارهاب على نحو تأليفي نختار له العبارات التالية:
أليس الارهاب الوثوب الى العنف أو الى التهديد بالقوة طمعا في النتائج التالية:

زرع الهلع في صلب المجتمع
الوهن المراد زرعه في السلطة القائمة على نحو ديمقراطي
قلب هذه السلطة والتمرد عليها
العزم على التغيرات السياسية العنيفة

أليس الارهاب اليوم هو الظاهرة التي تتشكل بأشكال وحشية مختلفة في آلياتها وهي تتعدد في أنواعها بمقتضى الحال والوضع. تتمثل الأشكال في العنف وفي الغلو والتطرف وهي المقولات المؤدية الى الحرص على تقويض ما هو مستقيم في المجتمعات والى تعدد الأساليب التي تمكن الارهابيين من تنفيذ مخططاتهم.
أليس الارهاب تهمة شماعة مصطنعة لتضليل الناس عن حقيقة الاسلام؟

أليس الارهاب سلاحا تبين مع التحولات في الواقع العربي بطلانه وقد انقلب السحر على الساحر فبطل الظلم وحل محله النزوع الى الديمقراطية فتغير الاستدلال بالارهاب وأصبح راجعا الى السياق الذي صنع التهمة وتغير المعنى فبان زيف التهمة وعلم الناس أن المسلم الحق لا يعنف ولا يبطش وأن من يقترف ذلك فئة تحتاج الى العلم حتى تثوب الطريق القويم؟
ماذا تستنتجون من هذا المشروع ؟

ان تهمة الارهاب يجري على النشاط العنيف ( القتل الاجرام الفتك اباحة المحرمات هتك الحرمات . . .
1 العلاقة المتينة بين الارهاب والعنف والقوة: ونريد أن نسوق لطيفة في هذا الصدد ومؤداها أن للقوة أوجها يمكن أن نوجزها في ضربين نقتصر عليهما وهما المظهر الذهني وهو محمود نظرا الى ما تفيده القوة الذهنية من طاقة لدى الانسان على الصبر عند طلب المعنى والسبل اليه عويصة وهي تحتاج الى المثابرة والى العزم. والمظهر المادي ونعبر عنه بصيغة ذهان (على وزن فعال بضم الفاء) والصيغة تفيد المرض كزكام وصداع وقلاب.. واذ ان القوة قريبة من الشباب فهي قد تستهويه وقد تغريه فأية القوتين أنسب الى الشباب؟ أليس للتعليم وللتربية وللتنشئة الدور الأساس في الطرق التي تشد الشباب الى احدى الطريقتين؟أليس المجتمع هو الأصل الذي منه تنحدر مقومات الاختيار لدى الشباب؟ أليست الثقافة الاجتماعية هي مناط لاختيارات الشباب؟
2 ويجدر أن نلتمس السبيل الى معالجة المسألة عبر تحديد مفهوم الثقافة.

فللثقافة تعريفات عدّة منها ما هو لغوي ومنها ما هو فلسفي ومنها ما هو اجتماعي ومنها ما هو ايناسي( انتروبولوجي) ومنها ما هو بيولوجي . ومنطلقنا من التعريف الايناسي ومقتضاه أن الثقافة يكمن معناها في كل النشاط المادي والذهني الصادر عن المجموعة الى الأفراد في ظل بيئة محددة.
3 والثقافة في التعريف الذي اخترنا تفهم في ظل البعد البيولوجي الذي يستحضر التوازي بين السنن(القانون) الثقافي والسنن البيولوجي أو بين الخلية الثقافية والخلية البيولوجية وهي التي تنبع من صميم المجال الجيني أو من رحم الهندسة الوراثية. أليس الأخذ عن منطق العنف أخذا ثقافيا يجعل القانون الثقافي متحكما في السلوك الصادر عن الشباب وهم الذين يرثون القانون الثقافي عن المجتمع الذي ينحدرون منه؟
أليس النظر في أحوال البيئة من موازين الاتهام لسلوك السباب أو من أسباب التبرئة؟ لقد عرجنا على التوازي بين السننين الثقافي والبيولوجي ونحن في ظلال المرجعية البيولوجية وهو التوازي الذي به نفهم الانحراف في السلوك أو الاستقامة فيه؟
انّ التوارث الجيني من قبيل التوارث الثقافي من حيث الأوجه المتوازية بين الثقافة والهندسة الوراثية فكيف يهتدي علماء البيولوجيا الى معالجة للأمراض المتوارثة جينيا على مستوى الأجنة ولا يهتدي علماء الثقافة الى المعالجة الملائمة للأمراض الثقافية ؟

4 أليس في التعريف اقرار بكون تهمة الارهاب تفجأ النظم الديمقراطية أو غير الديمقراطية على حد السواء ان لم نقل انه أقرب من النظم غير الديمقراطية وأنه يسعى الى خلخلة التوازن الاجتماعي السائد مهما كان جنسه؟ ألا يجدر التنبيه الى الفاصل المعنوي الشديد بين تهمة الارهاب وهي قوة تدفع باطلا لتقويض بنية متوازنة وهي المنسوبة الى الاسلاميين ظلما وعدوانا والمقاومة وهي حق مشروع للمطالبة باسترجاع ما اغتصب كرها وهي سر العمل الاسلامي الشرعي في الظروف الداعية اليه؟

هل تتبنون مقولة الثورة والربيع العربي الديمقراطي؟

ما وقع في البلاد العربية من حراك لا يخرج عن منطق الثورات بالمعنى العلمي وانها من العفوية في البداية ما حرك السواكن الخامدة على كل الأصعدة ومنها ما دفع المثقفين جلهم نحو تأملات صنعها الشعب وينتظر من المفكرين التفكيك والتأليف وحسن الفهم لاستخراج النتائج الملائمة,فقد صنع الثورة الشعب من أجل الكرامة وقد أفاق التونسيون على فضائح يستحي المرء منها نظرا الى الفظاعة فيها ولكنها تدفع الى الدرس وقاية من زلل آخر في سلوك سياسي يبدأ سلاما ثم ينقلب الى ظلم واستبداد ولا أتصور أن الزمن سيتراجع عن التحولات المستجدة فان التاريخ أكد أن الشعب عندما يثور فان الاصلاح هو الحل له ولمستقبل البلاد الثائرة ,هذا منطق التاريخ وهذه المادة الخام التي ينبغي أن ينظر لها أهل الذكر.
وقد كاد العالم يجمع على حقيقة الربيع العربي وهو الدليل على أن للعرب من النزوع الى رفض القهر ما يدعم تاريخا طويلا نكرانهم لألوان الظلم وقد نقل أبو حيان التوحيدي فكرة جليلة قال» والعرب تقول في كلامها غلبنا السلطان فأكل خضرتنا ولبس فروتنا» وهو يشير الى نزعة في العربي متوارثة. فتبني الثورة والربيع العربي من منجزات تاريخ الأفكار في الثقافة العربية الاسلامية.

لكن البعض يتخوف من امكانية النكوص عن مسارات التغيير الايجابي لواقع الأمة العربية والاسلامية؟

كل جديد يخيف بداهة والأهم أن تتعاضد الجهود في سبيل انجاح الثورة وهذا مما نحتاج اليه في بلادنا لأن النفوس تتوثب الى حياة أفضل. والمهم النضال من أجل نجاح مسار الثورة ببعد ثقافي يناصر البعد السياسي والاجتماعي وهذا منوط بالمثقفين وينبغي ألا يرصدوا أخطاء أهل السلطة بقدر ما يعتنون بالنقد الوجيه والمشاركة في عملية الاصلاح. والمشاركة هي التي تقتضي تجنب الانتقاد والتعامل الايجابي بين المعارضة والحكومة عملا بالديمقراطية وتحقيقا للثورة والا انقلب الأمر الى الايديولوجيات الفاشلة وقد تصطدم الثورة بعناصر تكدر عليها النجاح . وأرى أن كل الشعب بأنواعه وفئاته معني بانجاح الثورة وبالتغير الايجابي مهما كان انتماؤه السياسي أو العقدي لأن التراجع عن الاصلاح مصيبة كبرى تصدم توازن المجتمعات.

البعض ينزل التحولات الجارية في سياق تطبيق غربي لبنية جديدة لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا - الشرق الاوسط الجديد-؟

أتصور أن من منجزات الثورة الطاقة التي وهبتها للأفراد والجماعات على تجاوز كثير من الظنون والأوهام وقد تصورها البعض بمثابة الحقائق منها الفكر التآمري على الأمة العربية. والسؤال هنا أليس للعرب القدرة على تحديد مصيرهم بتجاوز التدخل الغربي حتى وان وجد هذا التدخل فعليا؟ فان الثورة متى استقام أمرها كفيلة بارجاع سيادة القرار الى أهله. والثقة التي تمتعت بها الشعوب العربية كفيلة بأن تصوغ الحصون ضد التبعية وهنا نلمس ضرورة اندفاق العلامات اللازمة للشخصية القاعدية للانسان العربي وهو يتصدى لمصيره وعيا بالواجبات والحقوق وعملا بالهوية المنفتحة القائمة على الامتلاء بالثقافة الخاصة وبالانفتاح على الآخرعلى هذا النحو لا مساس بالسيادة لديه ول مجال للتدخل الأجنبي ولا مناص من التعامل على قاعدة المساواة بين الأمم درءا لمثاقفة غير عادلة كانت سائدة ومازالت آثارها باقية ويجدر بالعرب التمتع بالهوية الهادفة حتي يكرسوا التعامل المتكافئ مع الآخر فالقضية كامنة فينا وليست بمنأى عنا.

ما تزال مسألة الحرية مضطربة في العقل العربي لتلبسها حسب رؤية البعض من العلمانيين بالمقدس خاصة؟

عبارة المقدس من المعجم العلماني المتداول والأفضل أن نستعمل الاسلامي ولعل الاسلام هو الذي يخيف العلمانيين والكلام هنا على الاسلام الحق فاتح القلوب على قيم الخير لا على الاسلام كما يتوهمه هؤلاء .
ألم يحرر الاسلام العرب وسائر الأمم من الطواغيت ويكفي أن نشير الى المستشرق لفي برونفسال وقد أشار في كتابه عن» تاريخ اسبانيا المسلمة» الى أن يهود اسبانيا هم الذين استدعوا المسلمين لفتح اسبانيا لأن حريتهم موكولة الى الحكم العادل على أيدي المسلمين .
ألا يدل هذا على أن الحرية كامنة في الأفكار الاسلامية منذ القدم . فالحرية وان نجمت مع ظهور التمدن الأوروبي قاعدة في الثقافة العربية الاسلامية يجدر أن نجليها. والكلام على الحرية يستوجب العمل على رسوخ معناها في السلوك اليومي لدى الانسان العربي فنحن بحاجة الى التربية على الحرية وهذا من مشاريع التحولات في الوطن العربي ولن يتحقق الا بالدربة والمران. علينا أن ننتج المفاهيم من صلب ثقافتنا أولا وتعاملا مع المحيط الكوني ثانيا. أليست الحضارة اليوم من انتاج المفاهيم ومن إجرائها في الواقع ولا نقول من فرضها كما يفعل الغرب.

هل أنتم مع تجريم المس بالمقدسات في مختلف ضروب الابداع الفكري والأدبي والفني؟

يحتاج السؤال الى تحيد منهجي قوامه على ضبط العلاقة بين الابداع والاسلام فمن مأثورات السلف في السياق الثقافي العربي الأصيل متصلا بالشعر وهو ديوان العرب وسجل مفاخرهم قول النقاد من قبيل الجرجاني وابن المعتز «ليست الديانة عيارا على الشعراء» وهي قولة تنسحب على الابداع بوجوهه القديمة والحديثة من سينما ومسرح وفنون تشكيلية الى غيرها .
لقد ميز الفقهاء قديما بين جوانب من القول والفعل هي من باب الواقع الماثل والممارسة التطبيقية وهي تنعقد على الشرع وجوانب أخرى من القول والفعل تنعقد على الخيال والتخييل وعلى معاني الابداع ومنطلقاتها انشائية - بمعنى الابداع - فجعلوا لمناطق الخلق الفني مساحة حرسوها حراسة وصانوا موادها من التهم العرجاء فجاء الفن في محيط خاص به الى درجة نجد أبا سليمان المنطقي الجستاني بن بهرام يقول في منتصف القرن الرابع الهجري «ان الشريعة حق ولكنها ليست من الفلسفة في شيء وان الفلسفة حق ولكنها ليست من الشريعة شيء فوجب الأخذ بهما في مكانيين مختلفين» طموحا للوصول الى الحكمة الالهية . هذا الفصل المنهجي دليل على أن الموروث الاسلامي كان يضع المعايير الموضوعية للاختلاف بين الشريعة والفنون وأنه كان يهب لكل مقام مقال. والدليل على ما نقول أنّ الصولي الفقيه هو من شرح شعر المتنبي وأن الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور وهو من هو في العلوم الشرعية وخاصة في تفسير القرآن الكريم هو من شرح ديوان النابغة الذبياني وشعر بشار بن برد .
من هذه الزاوية للمبدع أن يبدع في مجالاته والمسافة فاصلة بطبيعة الاختلاف بين العمل على ما له صلة بالواقع والعمل النابع من الابداع. وكم من ابداع كان القادح لتحسين الواقع وإضفاء الطابع الجمالي عليه.

أعني هل توجد حدود لحرية التعبير؟

حرية التعبير متوفرة في القرآن الكريم ومنها أن نقل الله تعالى أقاويل ابليس وهي منتهى الكفر كذلك فعل مع فرعون وهامان وغير هؤلاء ممن اشتدت عداوتهم للدين ولم يغلق عنهم اختيارا أساليب التعبير. كذلك فعل النبي وكانت من أبرز ما سلك اليه في المدينة المعاهدة بين المسلمين والمشركين واليهود لحماية المدينة من العدو. ألم يتح النبي (ص) لخصومه حرية التعبير والسلوك ولم يحرمهم من التعبير ومن الاختيار.
من هذا المنطلق فان حرية التعبير لا يحدها الا منطق الحدود الأخلاقية. والأخلاق هي المعضلة التي تواجهنا اليوم على الأصعدة كلها سياسيا واجتماعيا واقتصاديا فليس الاشكال في حرية التعبير بل في قدرتنا على التعامل السوي وفي الشخصية العربية المحتاجة الى خزّان من قوة الفكر حتي تبيح للآخر التعبير الحر ولا تتوهم أنها تمتلك الحقيقة الواحدة.

حضاريا كيف تقرؤون حاجة المجتمع العربي الى الحداثة والتنوير؟

التنوير والحداثة مصطلحان من النهضة الأوروبية وجب الوقوف عندهما ازاء المصطلحات العربية الاسلامية ومنها التجديد والاصلاح. الحداثة ناجمة عن الأعوان التي انبثقت عن الحضارة الأوروبية أيام الثورة على الآثام التي تسبب فيها الدين المسيحي بالطرق الكنسية الظالمة طوال قرون ومنتهى الحداثة التمرد على رجالات الكنيسة لأنهم عادوا العلوم والمعرفة ونكّبوا عن التحرر من القيود الدينية المفروضة والحداثة هنا طلب للقواعد الموضوعية العقلانية التي فرضتها الثورة العلمية المستجدة ولعل هذا الأصل للحداثة وتعلقها بالتمرد على المسيحية هو الذي جعل الحرج في التعامل معها في ثقافتنا لأن الدين الاسلامي لا يعارض العلوم وهذا معلوم بالضرورة.
والتنوير من معالم التمدن الأوروبي وقد ظهر بالقياس الى الحاجة التي كان عليها الفكر الأوروبي للانتقال من حالة الركود الى الصحوة. فمرجعية المصطلحين أوروبية.
ولا خلاف في أن الحداثة والتنوير صالحان اليوم للأمة العربية ولكن على قاعدة استحداث المرجعية الفكرية الملائمة وهو العمل الفكري الموكول الى أهل الذكر بعمليات مخبرية ضرورية حتى ندرك الغاية من الاستعمال المصطلحي في صلته بالواقع التاريخي.

أعنى هل الحداثة وأسسها في حقوق الانسان والحريات ومدنية الدولة وافدة علينا؟

في الواقع الحداثة سابقة لمفهوم حقوق الانسان فقد بدأت النهضة في أوروبا بالثورة العلمية وبظهور مفاهيم جديدة تطورت للانسان مجال حياته الفردية ثن تطورت الى القطاع الصناعي والفلسفي حتى تفتقت اللوائح لحقوق الانسان بالثورة الفرنسية ثم بالاعلان الأممي لحقوق الانسان وهي كلها لاحقة للحداثة على مستوى تاريخ الأفكار والحداثة بلا جدال وافدة على الثقافة العربية الاسلامية .
أما الحريات ومدنية الدولة فهي تستحق التحري العلمي. فللحريات كما ألمحنا اليها مرجعيات متعددة في كل الحضارات وقد ساهمت الثقافة الاسلامية في انتاج المعاني الملائمة لروح الاسلام فأضافت الى الحرية اضافات جمة. وأما مدنية الدولة فلنا فيها قول نلخصه في ما أنجز النبي صلى الله عليه وسلم في يثرب عند قومه اليها فيثرب لغة تمتّ الى الفساد بصلة وكانت تعيش بالقيم الجاهلية ومنها الأخذ بالثأر والوأد والبطش فغيّر النبي الاسم الى المدينة ولم تكن التسمية عبثا بل كانت عن هدى فاذا بالمدينة تحمل القيم المدنية على الأسس الاسلامية كما ارتضاها النبي أمرا من ربه. ألا ينبغي التمييز بيم الوافد والمستقر الأصلي في ثقافتنا العربية الاسلامية.

الانسان العربي ومصيره في هذا العالم المتحول والمتغير؟

شأن الانسان العربي ككل انسان في الكون أنّ وجوده متصل بالارادة وهي تتعلق بعنصريين مهمين لارتقائه الى مستوى الوجود الفاعل هما قيمة العمل وقيمة الوقت فدون عمل والقيم المنتثرة حوله ودون الوقت والقيم الراجعة اليه لا يمكن للانسان العربي أن يتبوّأ المنزلة الملائمة له المنسجمة مع تاريخه الطويل. والمصير من جنس الوجود مع اضافة ملخصها أن الانسان العربي المسلم متى اضطلع بمسؤوليته الوجودية فله القيادة التي بشّر بها القرآن «كنتم خير أمة أخرجت للناس».

بماذا تفسرون انتشار الغلو والتطرف في مرحلة ما بعد الثورات العربية؟

الغلو والتطرّف مصطلحان نسبيان فالظروف التي تنشئ المصطلحين هي الأولى بالدراسة فبعد تصحر فكري ديني بتونس على امتداد ما يزيد على نصف قرن لا بد أن يزيد أثرا وأن يقوى في السلوك ذلك أن المعدل للتربية الاسلامية وهو جامع الزيتونة قد أغلقت أبوابه منذ السنوات الأولى من الاستقلال أليس الغلو والتطرف راجعين الى الجهل الذي ظل يحجب عن التونسيين حقيقة دينهم وعن العواصف العقدية التي تمر عبر الفضائيات عند اندلاع الثورة الرقمية . المهم أن نتدبر الوسائل الكفيلة بالتجاوز لهذه الآفات لأن الأجيال التونسية وهي راقية في أصولها بحاجة الى التلقيح من كل خروج عن الاعتدال وذلك من خلال التربية الملائمة والثقافة الاسلامية المناسبة. ولئن كان الخوف مكبلا لكثير من الناس قبل الثورات العربية فان التحرر أفضى الى تفتيق المكبوت فانفجرت رياح التفريط والافراط وهذا طبيعي وما ليس طبيعيا ألا تتآزر الجهود من أجل العلاج الضروري.

التيارات السلفية أصبحت ظاهرة اجتماعية وسياسية أيضاً، كيف يكون التعاطي الايجابي معها؟
لي احتراز على مصطلح السلفية . فالى أي سلف الانتساب في سياق السؤال؟ لعل السلف في هذا الصدد راجع الى امامين كبيرين في الثقافة الاسلامية هما ابن تيمية وابن قيم الجوزية. ولو أتيح أن نطرح السؤال على هذين الشيخين لنفيا اللقب وأرجعاه الى الجيل الأول وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم» فحصر الخيرية في ثلاثة أجيال من أقرانه دون غيرهم وهنا يتحدد معنى السلفية العلمي ولهذا السبب أطلق هنري لاوست على جيل الأفغاني ومحمد عبده وصف السلفية الجديدة.

وان قبلنا تجوّزا تسمية الأجيال الجديدة بالسلفية نسبة الى حركة محمد بن عبد الوهاب فان أفضل التعامل معها بالعلم والمعرفة شأن ما حصل حوالي سنة 1810 م على عهد حمودة باشا عندما وردت رسالة الوهابي فأوكل الجواب الى ثلاثة من الشيوخ هم الشيخ ابراهيم الرياحي ورده مفقود في علمنا والشيخ عمر المحجوب وجوابه محفوظ في كتاب الاتحاف لابن أبي الضياف والشيخ اسماعيل التميمي وله رسالة مفردة مطبوعة جاهزة.
وقد يكون الزمن قد تغير فالواجب التعامل العلمي مع هؤلاء في ضوء مستجدات العصر.
هناك خطر تفكك للبنى الاجتماعية العربية نتيجة الغلو والتطرف والاستقطاب الأيديولوجي اليميني واليساري؟

ما يرى اليوم من غلو من التطرف يمينا ويسارا طبيعي بعد كل ثورة واثر التحولات العاتية اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. ولا أتصوّر التفكك للبنى الاجتماعية في ضوء هذه الظواهر ذلك أنها كانت موجودة من قبل وهي قديمة في المجتمعات فكيف الخوف منها وقد أصبحت علانية. المهم المعالجة في ظلال التعليم المنتشر والثقافة العامة وهما سندان للتخفيف من وطأة الغلو بأنواعه والحوار هو السبيل المثلى للتفاهم ولكن على القواعد العلمية انصاتا وتفاعلا وتبادلا للآراء فيكون الحد الأدنى للحوار مستندا الى المتفق عليه وهو قيم الحرية والكرامة والاحترام. والرجاء الانتقال من حال هيمنة الايديولوجيا الى الفاعلية في المعاش وفي التفكير.

هل تقدر تيارات الاسلام السياسي على فض مشكلة الحكم والسلطة في العالم العربي؟

النظم الاسلامية تأصيل لنظام الحكم على الطريقة الاسلامية وهي تمثل القاعدة لكل عمل سياسي معاصر على شرط عملية النقد والتمحيص وضرورة التجديد فيها بما يفي حاجة العصر لمنظومة سياسية تستحق المعالجة العقلية . وهي المهمة المنوطة بأهل الفكر من الاتجاهات كلها وخاصة منها ممن جمعوا بين الثقافة العربية الاسلامية المستنيرة والثقافة العصرية الحداثية.

هل يقبل الغرب بروز حكم عربي يستند الى الرؤية الاسلامية؟

السؤال بحاجة الى تعديل ومناطه متى يستفيق العقل الاسلامي للتحقيق في مسألة نظام حكم اسلامي يستند الى الشروط المستجيبة للقيم الانسانية الأصيلة وبهذا لا مجال للغرب في أن يتحكم في المسلمين ولو أراد أهله ذلك ولا مناص في هذا الصدد عند التعامل مع الغرب الا بالمحاورة.

لكن يوجد تباين بين المرجعيات الدينية والمدنية خاصة على مستوى هوية الدولة؟

يرجع التباين الى فقر معرفي والى أبعاد ايديولوجية لا تخفى. ألسنا مطالبين بالتعرف على المرجعية الاسلامية في المسألة وهو يفرض أعمالا مخبرية متنوعة لبلوغ الغاية ، فبالصبر العلمي والمثابرة على التحقيق يتسنى أن نتجاوز الفاصل الوهمي بين المدنية والدين، لأن أصل التنافر بينهما يعود الى واقع أوروبي كانت المسيحية فيه عثرة ازاء التطور فناقضت الأفكار المدنية الحداثية العناصر الدينية المجحفة. فهل نطبق المعنى نفسه على الثقافة الاسلامية والمرجعيات فيها تختلف جوهرا عن الثقافة المسيحية ومن توهم التماثل بينهما فقد أخطأ علميا وانحاز الى ميولات ايديولوجية لا تستند الى الصواب العلمي البتة ألا يجب فتح مجالات للتحليل والدرس والتمحيص قبل اصدار الأحكام المسبقة؟المشكل أننا لا نمتلك أدوات التحليل المنهجي في الثقافة العربية الاسلامية وأن التعليم العالي في أغلب مواد العلوم الانسانية غلب عليه الافلاس وقلّ من الطلبة من يكد الكد الضروري لاستحصال العناصر اللازمة للدرس العميق المؤهل للأجوبة المقنعة المتعلقة بالثقافة الاسلامية فنحن أطروحات الهدامة من جهة أو ضعيفة منهجا ومضمونا من جهة ثانية؟ولهذا السبب يبدو التباين بين المرجعيات الدينية والمدنية وسيظل التباين قائما ما لم ندرس موروثنا الدراسات العلمية ؟

كيف تستشرفون امكانيات الاصلاح ومجالاته في عالمنا العربي اليوم؟

للاصلاح دلالتان أولاهما عامة تعني التوثب لدرء التخلف على الصعيد الاجتماعي وثانيتهما دقيقة تعني اقتباس التمدن الأوربي بمقتضى الشريعة الاسلامية وأتصور أن الثانية قد تجاوزها الزمن. وأرى أن الاصلاح قد انطلق بالمطالبة بالحرية والكرامة وهما منوطان بعامل مادي وآخر ذهني.
والأصل في الاصلاح قيام ثورة ثقافية تخلص الانسان العربي والمسلم من التقاليد المكبلة وتجعله فاعلا ناجعا ، ان الثورة الثقافية الشاملة الطامحة للقيم الانسانية السامية النابذة لكل أسباب الوهن هي المشروع المنتظر من الشعوب الاسلامية ولو اجتمعت الشعوب على الثقافة الاسلامية المتحركة لكانت الهوية ناهضة ذات تأثير في الواقع العربي.

على مستوى النسيج الاجتماعي والمكتسبات التي يقول البعض انها مهددة، الا توجد لديكم مخاوف من نشوب الفتن وحالات الاقتتال الأهلي؟

ثمة قصة قديمة ملخصها أن فاس بالمغرب دهمتها سحابات من الجراد المتعاضل فجعل الشيخ بالقرويين يرفع يديه الى السماء بالدعاء وأنهاه بقوله اللهم أرسل الآفة الى تونس فقال له أحد الحاضرين كيف ترجو لبلد اسلامي آفة الجراد فأجاب ان تونس محصنة باللطف فلا يصيبها مكروه. لعل هذه القصة تلخص الجواب عن السؤال . ان ما حدث وما يحدث بعد الثورة في تونس أهون من أن يصيب المجتمع التونسي بأي خلل . فقد كانت الثورة في تونس قادحا لنا لنتحرر كما تحرر التونسيون من عقابيل السياسة المفروضة ومهما كانت المساهمة فيها فان النية كانت دوما الاخلاص للوطن لا خدمة أشخاص معينين، فلا مناص من التفاؤل لأن المستقبل لن يزهر الا لذوي الطاقة على تجاوز الصعوبات فلا مجال لحرب أهلية ولا انتظار الا للأفضل وذلك مع كل من عرفوا بالحرص على التقوى.

من هو كمال عمران؟

كمال الصادق عمران من مواليد 18 /01 /1951 بتونس، متزوج وأب ل3 أبناء
حاصل على شهائد الأستاذية في اللغة والآداب العربية من دار المعلمين العليا بتونس والتبريز في اللغة والآداب العربية 1980 ودكتورا الدولة في الحضارة العربية الاسلامية الحديثة.
أستاذ التعليم العالي بكلية الآداب منوبة درّس بكلية الآداب بتونس وكلية الآداب بمنوبة وبدار المعلمين العليا وبالجامعة الزيتونية معهد الحضارة.
عضو المكتب التنفيذي باليونسكو سابقا وعضو مجلس الأمناء بمؤسسة عبد العزيز البابطين للابداع الشعري وامام خطيب بجامع البحيرة بتونس.
المؤلفات
الانسان ومصيره في الحضارة العربية الاسلامية الحديثة
الابرام والنقض في الثقافة الاسلامية
شغاف النص
محمد بيرم الخامس ( بالاشتراك)
مذكرات الشابي
المقالات
عديد المقالات في المجلات التونسية منها حوليات الجامعة التونسية الحياة الثقافية I B L A
مشاركات في ندوات وملتقيات تونسية ودولية
رئيس الجمعية التونسية للدراسات الحضارية


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.