عاجل/ الصيدليات تؤكّد تمسّكها بتعليق صرف الأدوية بهذه الصيغة لمنظوري ال"كنام"    توقيع مذكرة تفاهم بين البنك المركزي التونسي والبنك المركزي العُماني    الليلة: أجواء باردة وضباب بهذه المناطق..    انطلاق الورشة الإقليمية للدول العربية حول "معاهدة مراكش لتيسير النفاذ إلى المصنفات المنشورة لفائدة الأشخاص المكفوفين أو معاقي البصر أو ذوي الإعاقات الأخرى"    القصرين: صابة زيتون قياسية بسبيطلة تناهز 36 ألف طنّ وسط مطالب بتحديد سعر القبول لإنقاذ الموسم    عاجل/ بالأرقام: سدود الشمال تتدعّم بكميات هامة خلال الاسبوع المنقضي    توزر: زيادة منتظرة في نسبة الحجوزات بنزل الجهة خلال عطلة نهاية السنة الإداريّة    صدور كتاب جديد للباحث الصادق المحمودي يستشرف "علاقة الفقه بالنوازل الرقمية في عصر الذكاء الاصطناعي"    عاجل/ أحكام سجنية ضد عناصر شبكة دولية لتهريب المخدرات تم ضبطها في حلق الوادي    عاجل-محرز الغنوشي يُبشّر: هذا هو موعد عودة الأمطار لتونس..وهذه المناطق المعنية    الزواج يتأخر في تونس والطلاق يرتفع: 16 ألف حالة سنة 2024    المنتخب التونسي لكرة القدم يشرع في تحضيراته لامم افريقيا يوم 12 ديسمبر    حالة فوضى إثر تعطّل إنطلاق اختبارات الأسبوع المغلق في هذا المعهد..#خبر_عاجل    يدهس خاله حتى الموت بسبب الميراث    الإفراج عن طالب الطب محمد جهاد المجدوب    تسمم جماعي لركاب طائرة متوجهة من شنغهاي إلى موسكو    ليبيا: فندق للقطط بخدمات فاخرة (صور)    مباركة البراهمي ل «الشروق»: أجندا إسقاط الدولة لن تمرّ    الصندوق العالمي للطبيعة يدعو إلى المشاركة في حماية المناخ    كأس العرب قطر 2025: منتخبا الإمارات و الكويت يتطلعان للفوز وانتظار هدية التأهل    كفاش تعرف الى عندك نقص في فيتامين B 12 ؟    حذاري: كان تعمل الحاجات هذه تهلك دُهن ''الكرهبة''    شمال إفريقيا: 2024 عام قياسي في الحرارة... وهذه الدولة تسجّل أعلى درجة    عاجل: عدد السكان يزيد بسرعة... هذه المدن العربية تسجل أكثر عدد    عاجل: كانك تُسكن في الإمارات رُّد بالك تعمل ''المخالفة'' هذه...تكلفك 5 ملايين درهم    قوات الاحتلال الصهيوني تعتقل 6 شبان فلسطينيين بالضفة الغربية..#خبر_عاجل    نائب بالبرلمان : ''تونس لازم تحرك قوانين الصرف واستعمال الدرون''    شوف شنوة ال 5 حاجات تقولهم المرأة والراجل يفهمها بالعكس    المنتدى الابداعي... المسرح الفن الموسيقى والعلاج "يوم 13 ديسمبر 2025 بالمعهد الفرنسي بتونس العاصمة    تحذير: قاطو رأس العام حاضر منذ 4 أشهر...يتزين ويتباع آخر لحظة    استغل هاتف الوزارة للاتصال بخطيبته: السجن وخطية لموظف بوزارة..    قدّاش من كرهبة تستوردها تونس في العام؟    الدكتور رضا عريف للتوانسة: هذه أعراض النزلة الموسمية...والحالات هذه لازمها طبيب    الرابطة الثانية: تعيينات منافسات الجولة الثالثة عشرة    كأس العرب: المنتخب المصري يلتقي نظيره الأردني بحثا عن التأهل لربع النهائي    Ooredoo تونس تتعاون مع Oredata وGoogle Cloud للمساهمة في تطوير تجربة الحرفاء والتسويق باستخدام الذكاء الاصطناعي    خلال سنة 2025: الديوانة التونسية تحجز 14 كلغ من الذهب    ما مدى الانقسام داخل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي بشأن خفض أسعار الفائدة؟    تونس تحتضن قمة الاستثمار والابتكار يومي 28 و29 جانفي المقبل    كأس العرب قطر 2025: المنتخب الجزائري يسعى لحسم تأهله لربع النهائي في مواجهة العراق    حماية مدنية : 382 تدخلا خلال الأربع وعشرين ساعة الماضية    بطولة اسبانيا : خسارة صادمة لريال مدريد على أرضه من سيلتا فيغو    اليوم.. قمة عربية ساخنة بين المغرب والسعودية في الجولة الثالثة من كأس العرب    فيلم 'سماء بلا أرض' يفوز بالجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش    التسامح وبلوى التفسّخ    العربي سناقرية: "بعد ما فعله منتخب فلسطين لا يجب أن نشجع سوى منتخب تونس"    عاجل: سامي الطرابلسي يُحمل مسؤولية الخروج للكاف    عاجل/ هذه الدولة تلغي إعفاء الفلسطينيين من تأشيرة الدخول..وهذا هو السبب..    مقتل الفنان المصري سعيد مختار في مشاجرة    ماسك يصعّد هجومه ضد الاتحاد الأوروبي.. ويشبهه ب"النازية"    الرواية في عصر الثرثرة.. مسيرة الأمين السعيدي نموذجا    حَقُّ التّحْرِيرَيْنِ وَوَعْيُ التّحْرِيرِ: جَدَلِيّةُ الْوَعْيِ الْمُحَرر    بالفيديو: تخريب ورشة أطفال بمرسى السعادة وسرقتها يثير غضب الأهالي وصدمتهم    المغرب.. "أغاني فيروز" تكلف صاحب مقهى غرامة مالية    رأي .. قرنٌ من التطرف، والإرهاب ... من حسن البنّا إلى سلطة الشرع... سقوط الإمارة التي وُلدت ميتة!    أولا وأخيرا .. أزغرد للنوّاب أم أبكي مع بو دربالة ؟    المنستير: تنصيب المجلس الجهوي الجديد    غدوة اخر نهار للأيام البيض.. اكمل صيامك واغتنم الثواب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من نافذتي : في ذكراك يا محيي الدّين
نشر في الشروق يوم 15 - 12 - 2012


1

مرّ في الشّهر الماضي عام على رحيلك فهفت نفسي إلى قراءة بعض شعرك، علّني أستنشق منه عطرك، وأستحضر به روحك، أوعساه يذكّرني بلقاءاتنا وسهرات جمعتنا بإخوان صفاء سبقك بعضهم وما زال يؤنسني في هذه الدّنيا بعض آخر. امتدّت يدي إلى مجموعتك الشّعريّة «حامل المصابيح» التي مضى على صدورها ثلاثون عاما وأقرأ أبياتا من قصيدة: متى يرحل الحزن؟
متى يرحل الحزن عن أرضنا الطّاهره
متى يرفع السّتر عن كلّ بيت قديم
لتظهر أنواره الباهره

هي آهات مكروب وزفرات محزون تصيبه كوارث أيّامنا هذه بالسّهم تلو الآخر. أقول لك اطمئنّ يا « مالك الحزين» – هكذا لقّبك صديقك صالح الجابري- فالحزن ما زال مقيما بأرضنا ، وكلّما ظننّاه رحل عاد، وقد لا يذهب قبل ذهابنا.
أقرأ في صفحة العنوان إهداء خصصتني به وكتبته على أوّل نسخة استلمتها منّي أنا من أشرف على طباعة كتابك الثاني هذا، بعد أن اعتذرت الدّار التّونسية للنّشر عن طباعته ، مستكثرة عليك إصدار كتاب ثان بعد كتابك الأول عام 1970 «كلمات للغرباء». كتبت بخطّك الرّقيق المرتعش: «أخي عبد الواحد، هذه نفحة من نفحات صداقتنا وثمرة من ثمرات مجهودك ، أقدّمها لك عربون وفاء ومودّة.»
وتشاء الأقدار أن أشرف على طباعة آخر كتبك «أسماء الله الحسنى» وقد صنعته تنضيدا شعريّا لأسمائه تعالى في مقامك ما بين مكّة والمدينة، تقرّبا إلى الذّات العليّة وطلبا لرحمتها وغفرانها. وأودّ هنا إيراد فقرة من مقدّمة هذا الكتاب لأنّها تنضح بما وصلت إليه نفسك من سموّ أخلاقيّ مترفّع عن الدّنيا، وإخلاص إيمانيّ هو أقرب إلى التصوّف منه إلى التّعبّد: «إنّ التّفاني في العمل والإخلاص في النّيّة هما اللّذان أوصلاني إلى المحجّة، والتّعلّق بالأسنى، والبعد عن الأدنى، ولا أراني بعدها – وقد قادني الرّحمان إلى ذلك – أحتاج لغير اللّه، أو تدفعني الدّنيا للوقوف بباب غير بابه، أو أخاف من شيء واقع أو وقع».

2

إنّ محيي الدّين وإن تغنّى في مجموعاته الثلاث الأولى بالحزن فهو لم يستسلم له يوما، وحتّى عندما يشعرنا أنّه نزيل سجن فإنّ سجنه بنوافذ واسعة وأبواب منفتحة، مكّنته من استبطان الكلمات وإكسائها بما يشاء من أضواء و ظلال.
سأسكن داخلها
سأموت كما مات يوما رفاق الطّريق
ولكنّني قبل موتي سأشرب منها رحيق الرّحيق.
أحسّ أيضا بالغربة وهذا إحساس عاديّ عند المثقّفين ، يشعرهم بفقدان الأشياء لمعانيها ويدفعهم في الآن نفسه إلى البحث عنها مثل ديوجين.
أغلق الحارس الباب والسّجن جهم
وفي داخل السّجن ليل طويل أبيد
أين مصباح ديوجين أحمله في ظلام

ليس لداخله من مزيد.
وفي مجموعته الرّابعة «السّجن داخل الكلمات» بدأ الشاعر يعثر على متنفّس رحب يشغله من حين إلى آخر عن نفسه وما فيها من حزن ووحشة، وبدأت مضامينه تتحرّش بالتّصوّف وعوالم الإشراق ، وتقتبس من التّراث ما يزخر به من الأسماء والأحداث لتزداد رسوخا وتمكّنا في كتبه الموالية...
عطشان للحبّ الذي أسلمني للتّيه والضّياع
تركتني أطعم في بحرانه من لبن السّباع
تركتني ألقى الذي لم ألقه في شدّة الصّراع
وكأنّي به حين وصل إلى « مدن معبد» قد بلغ المكان الذي طالما حلم بالسّفر إليه ، بلغه أخيرا بعد أن فتّش عنه وسأل العابرين... الغريب أنّ اسم هذه المجموعة الرّابعة لشاعرنا كان في الأوّل «كتاب الأسفار» ثمّ «أعوام يوسف السّبعة» ثمّ «ألواح يعقوب» إلى أن استقرّ الرّأي في النّهاية على «مدن معبد» ، وكنت أرشّح وأنا أناقشه العنوان الأوّل لوجود موضوع السّفر في كلّ القصائد.
عن مدن لم ير الفجر أنصع من جدران مساجدها
لم ير النّاس أجمل من ضوء أشجارها
لم يشاهد غريب كأبنائها رحمة بالغريب
لو تراني بها لعرفت مكاني
وأنزلتني في المحلّ الخصيب.
لقد تمتّع محيي الدّين بلحظات عمره دون تيه فيها أو استغراق في متعتها ، فالزّمان عنده مفرغ: «اليوم غد...وغد قد فات...لا قبل هناك ولا بعد» وأفضل ما يصنعه المرء هو أن يمدّد احلامه حتّى النّهاية رغم كلّ المعيقات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.