دعا زيناوي ذات عشيّة رمضانية أمجد لزيارة سوق قرب العاصمة اشتهر بغلاله وإغراءات ما يشتهيه الصائمون. أركبه المرسيدس الفخمة وكرّر أسئلته المُعتادة : ألم تقترب ساعة الفرج يا أمجد يا أخي ؟ ألا تملّ من تكرار هذا السؤال يا سي زيناوي ؟ وهل سأكتمها في صدري لمّا تأتي؟ مللت الانتظار ولديّ مشاريع للتنفيذ لا أجد لها الوسائل الكافية. وهل تنتظر من دينك الصغير عند «سوبات» أن يكفي لمشاريعك المنتظرة ؟ لا يكفي... وإنّما يعين، يعين. الإجراءات تقتضي كما شرحت لك مرّات استخلاص مستحقّات «سوبات» من حرفائها السابقين، ثمّ بيع منقولاتها بالمزاد، وممّا نتحصّل عليه، ندفع الضرائب ومستحقات الدولة وبعدها ندفع الديون المستحقّة عليها بدءًا بالأكبر قيمة فالذي يليه، وفي آخر الأمر نبيع الحق التجاري لتوزيعه على صغار الدائنين. لا أعرف سلّم ترتيب الدائنين. فكيف رتبتي بينهم ؟ أنت تعتبر أقلّ من الكبار وفوق الصغار. معنى هذا أنّني سأنتظر طويلا. هل تريد نصيحة ؟ اشتر الديون الصغيرة من أصحابها. أخرج أموالا جديدة، ما هذه الفكرة يا سي أمجد ؟ اِفهم قليلا، لو عرضت على أيّ من أولئك الدّائنين نصف دينه نقدًا لما تردّد في بيعه لك عوض الانتظار الطويل. وبعد شراء تلك الديون ؟...قل كم هي أوّلا ؟ سأعطيك الرقم في ما بعد. لنفترض أنّني اشتريت تلك الديون. تصير بعدها الدائن الأكبر ولك حينئذ أكثر الحقوق وتقدر أن تفاوض في شراء المنقولات عوض عرضها في المزاد. لا تهمّني المنقولات كثيرا، فأكثرها قديم. وفي النهاية هناك صفقة أهمّ وأعظم يمكنك بشيء من الصبر والانتظار القفز عليها باستعمال الشفعة. فشركة «سوبات» حازت منذ سنوات صفقات لبناء مساكن شعبية بأعداد كبيرة، أنجزت بعضها والغالبية في طور الانجاز بنسَبٍ مُختلفة، وجميع هذه الصفقات ستُباع مع الحق التجاري في نهاية التصفية. أليست هذه أكلة جاهزة على المائدة، لا تستحق إلاّ مضغا قليلا قبل الابتلاع. ؟ هل أنت مستعد ؟ سكت زيناوي وقد فاجأه الخبر ...زاد من سرعة السيارة فنبّهه أمجد : هيه...ألا ترى أنّنا تجاوزنا السوق يا سي زيناوي ؟ دوّختني يا رجل... سنعود. في رمضان الموالي وبعد عام من الاجتهاد والصفقات الناجحة دخل زيناوي على أمجد وقد صارا صديقين حميمين ، فسلّم عليه و قال : سأقترح عليك أن نذهب معًا... هل توافق ؟ نطوف بالأسواق ككلّ رمضان ؟ لا... لأداء العمرة. لماذا... هل ارتكبت ذنوبًا كثيرة هذا العام ؟ ضحك زيناوي حتّى وإن لم ترق له النكتة كثيرًا، وأجاب : أنا أذهب إلى العمرة من عام إلى آخر... ، ولكنّني لم أزر مكّة في رمضان. يقال إنّ عمرة العشر الأواخر من رمضان أكثر ثوابًا وأعظم أجرًا عند الله. ولهذا سنسافر في تلك العشر الأواخر. أنت وزوجتك ؟ أنا وزوجتي... وأنت وزوجتك. فوجئ أمجد بالاقتراح. طوى الأوراق التي بين يديه وقرّب رأسه من جليسه طالبا منه إعادة الجملة الأخيرة، وسأل : من أين جئت بهذا الخبر ؟ لا أنا قررت العمرة ولا جهّزت لها نفسي. كلّ شيء سهل. القرار نتّخذه الآن في مجلسنا هذا، والتجهيزات سأهتمّ بها أنا. ما عليك إلاّ طلب إجازة ولن يبخل بها عليك أصحاب الشركة ، خاصّة إذا وعدتهم بالدعاء الصالح في الحرم الشريف. لم أجهّز المصاريف اللاّزمة. هي عليّ جميعها. التذاكر وما يلزم. هذه طريقتي لمكافأتك على ما فتحت لي من أبواب وصفقات. أنا لم أفعل سوى إسداء النصح وإبداء الرأي التقني لصديق مجتهد ومُخلص في عمله. لنقل أنت نصحتني لأزداد اجتهادًا في عملي، وأنا سأصطحبك إلى العمرة ليزداد نصحك ويثمر ، وليسدّد الله خطاك في عملك أيضا. آمين يا ربّ العالمين.
(٭) الّتشحيم هو وضع الشّحم في مفاصل الآلة ليسهل دورانها، وهو هنا استعارة للرّشوة التي يدفعها أصحاب الأعمال لتيسير أمورهم. وهذا النّصّ مقتطع من رواية أعدّها لتطبع قريبا.