في بيان الحكومة للسنة الجديدة أشار السيد حمادي الجبالي إلى ضرورة إجراء هدنة اجتماعية وبالتوازي حمّل رئيس الجمهورية السيد محمد المنصف المرزوقي جميع الأطراف من أحزاب ومنظمات وجمعيات مسؤوليتها في دفع عجلة التنمية خاصة في الجهات المحرومة. هذا الخطاب يستبطن حاجة وطنية ملحة مع مطلع العام الجديد لإقرار التهدئة والاستقرار للمضي قدما في تحقيق أشواط في تنشيط الاستثمار العمومي والخاص وعالم الأعمال من اجل تجسيد تطلعات الناس في التنمية والتشغيل وتحسين ظروف العيش ، وهي التطلعات التي لم يتحقق منها الشيء الكثير نتيجة غياب الاستقرار وغلبة الفوضى وحالات الانفلات الأمني والاجتماعي التي تضرب في الصميم الشروع في تنفيذ المشاريع وتطوير البنى التحتية من طرقات ومناطق صناعية وتعزيز شبكات الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء وغاز واتصالات.
إلى وقت قريب والى حين إلغاء الإضراب العام الذي كان مقررا يوم 13 ديسمبر الجاري كانت البلاد مفتوحة على سيناريوهات مفزعة ومرعبة ولكن صوت الحكمة وتغليب منطق التعقل والانتصار للمصلحة الوطنية جنب البلاد الدخول في النفق المظلم وفتح أمامها فرصا أخرى لمراكمة نجاحات جديدة على درب الانتقال الديمقراطي وتحقيق أهداف الثورة .
خطاب رئيسي الدولة والحكومة لا يجبُ أن يبقى حبرا على ورق ويتطلب خطوات جريئة لمداواة الجراح السياسية وتجاوز الهنات التي حصلت خلال الأشهر الماضية من أجل تقريب وجهات النظر بين السلطة والمعارضة وتجاوز النقاط الخلافية من اجل وفاق وطني سياسي واجتماعي نافذ وجاد يبتعد عن كل مناطق التوتر والتجاذب الحزبي الضيق ويؤسس إلى شراكة فعلية بين مختلف المكونات والأطراف وصولا إلى المواعيد الانتخابية القادمة والتي ستنقل البلاد إلى آفاق الحكم الدائم والمستقر.
إنّ بلوغ تلك الدرجة من الوفاق الوطني حول الاستحقاقات السياسية المقبلة ، بما فيها من مسؤولية وجرأة وشجاعة وتنازلات ، سيكون المدخل الحقيقي إلى حبس أنفاس الاحتقان والأحقاد ومحاصرة عوامل التوتر والاحتجاج الفوضوي وتنفيذ أول متطلبات المصالحة الوطنية بما فيها من اعتذار واعتراف بالأخطاء وتبادل للثقة والشراكة وانكباب على المشاغل الحقيقية للبلاد وأولها التنمية والتشغيل وحماية القدرة الشرائية للمواطن.
حتى قبل كتابة الدستور وسائر التشريعات وتنفيذ قانون العدالة الانتقالية يمكن للأطراف الوطنية المضي قدما في المصالحة الوطنية فليس هناك من شك اليوم في أنّ قوى الثورة المضادة وبعد خيباتها المتتالية قد انكفأت إلى جحورها وان النكوص إلى الوراء بات صعبا إن لم يكن مستحيلا بحكم الوعي الشعبي ووجود قوى مدنية فاعلة وناشطة ومتحركة متحفزة لكشف الملفات وتعرية الأخطاء والهفوات ورد الحالمين بإمكانية عودة منظومة الحكم القديمة بما فيها من فساد واستبداد وظلم وإقصاء لتيارات فكرية وسياسية وحرمان واستثناء لفئات أو جهات.