«خطاب العنف في الحياة المعاصرة :التجليات وممكنات التجاوز» كان محور الندوة الفكرية المنتظمة مؤخرا بمدينة القلعة الكبرى ضمن فعاليات الدورة 32 لمهرجان الزيتونة الدولي. الندوة تضمنت أربع مداخلات نشطها الشاعر المنصف الوهايبي الذي تولى رئاسة الجلسة. قدّم المداخلات الوجه الإعلامي زياد الهاني والأستاذ رياض الصيداوي والدكتورة اللبنانية منى قمر مراد.
وتطرق كل من منظوره إلى ظاهرة العنف من حيث التعريف والمظاهر وسبل القضاء عليها ولم تخل بعض المداخلات من خلفيات حزبية وسياسية سواء من بعض المحاضرين أو من الحاضرين الذين كان عددهم متواضعا.
وعرّج الأستاذ رياض الصيداوي وهو رئيس المركز العربي للبحوث والدراسات الاستراتيجية بجنيف في مداخلته حول «العنف، الثورة، الحرب الأهلية» على «إشكالية تحديد المفاهيم فيما يخص «الثورة» و»الإرهاب» خلافا لمفهوم العنف السياسي الذي يتسم بالوضوح»، مستدلا بمقاربة أستاذه هانس بيتر في تحديد أسباب هذا العنف من خلال مقولته «إن انغلاق النظام السياسي يؤدّي إلى راديكالية المعارضة».
وأكّد الصيداوي مشروعية الصراع السياسي من أجل الحكم في إطار ديمقراطي، كما أرجع أسباب العنف السياسي إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية معتبرا أن «أعلى درجات العنف السياسي هو الإرهاب رغم عدم وجود مفهوم معين يحدده وهو خاضع إلى خلفيات سياسية حسب ما تقتضيه مصلحة الأطراف المتصارعة».
وأوضح الصيداوي بالقول «حين اعتبرت فرنسا أن الفلاقة التونسيين إرهابيون كانوا في الداخل يعتبرون وطنيين مناضلين كذلك الشأن بالنسبة للمقاومين الجزائريين»، واعتبر الصيداوي أن «مفهوم الإرهاب يعتبر أكثر تعقيدا إذا كان الإرهاب داخليا» مستدلا بأبحاث العالم السياسي الأمريكي «تاقور» من خلال طرحه لإشكالية «هل أن الإرهابي شخص عقلاني أم شخص مريض نفسانيا وجب متابعته وعلاجه بعيدا عن المحاكمات والتعذيب؟».
كما استدل الأستاذ رياض بمثال الشعب السويسري الذي لا تخلو بيت فيه من وجود سلاح ولكنه من أكثر الشعوب سلما، ودعا الصيداوي إلى» ضرورة وجود عقد اجتماعي في إطار الدولة حتى لا تقع الثغرات لأن الشعب إذا جاع سيلتجئ إلى العنف، فلابد من الديمقراطية الشاملة التي لا تقتصر على الانتخابات بل من الضروري إرساء ثقافة الديمقراطية فالتوازن مهم في التعاون الديمقراطي وللقضاء على العنف السياسي لابد من المرور إلى حكومة الوحدة الوطنية» على حد تعبيره.
جولة سياحية!
كان من المتوقع أن يكون عنوان مداخلة الدكتورة منى قمر مراد «العنف في المجتمعات العربية» مثلما تم التنصيص عليه في البرنامج الموزع على الحاضرين إلا أنها اختارت أن تعنونها ب «العنف ضد المرأة» مقسمة هذه المداخلة إلى جزئين حيث أطنبت في الحديث عن لبنان من حيث أبعاده التاريخية والجغرافية وكأنه دولة نكرة لدى التونسيين!وتحدثت في الجزء الثاني عن مفهوم العنف ومجالاته وأسبابه وكيفية مكافحته داعية إلى تفعيل الحوار وترسيخ المفاهيم والمبادئ التي نصت عليها الاتفاقات الدولية ومعبرة في «رسالة سياسية» مثيرة للاستغراب عن امتعاضها واستيائها من الربيع العربي! فكان حضور الدكتورة «سياسيا» سياحيا أكثر منه ثقافيا فكريا حيث اكتفت بقراءة مجموعة من الأوراق بصفة جافة بعثت الملل على الحاضرين لولا رئيس الجلسة الذي لفت انتباهها بأنها تجاوزت بكثير الوقت المخصص لها.
آراء لها خلفيات
وإن تميزت مداخلة الأستاذ رياض الصيداوي بعمق التحليل في صلب الموضوع المطروح وبالموضوعية والنزاهة وعكست وجاهة في طرح البدائل، فإن المنصف الوهايبي وزياد الهاني اختارا خلفية أخرى جسما فيها صفة المباشراتية بالتعبير عن موقفهما المعارض لحركة النهضة واعتبارها الجهة التي تحاول السيطرة والاستبداد في إشارة إلى أنها المسؤولة عن حالة العنف في البلاد.
ورغم أحقية التعبير عن الموقف السياسي إلا أن الإطار العام للندوة لم يكن مناسبا لذلك والذي كان يفترض الموضوعية والطرح الفكري في عمق الموضوع المطروح.ولم يستطع الوهايبي التخلص من صفته كشاعر حيث خص الشعر بالإبداع دون غيره من الأشكال الثقافية الأخرى من خلال الأمثلة التي استدل بها والتي حصر هامش الحرية فيها في ما تعبر عنه الملاهي وملذات الخمر والجنس معتبرا أن مثل «هذه المواضيع لم تظهر إلا في العهد الإسلامي ولم تلاق صدى مثل الذي تلاقيه اليوم.
عنف داخل العنف... وماذا بعد؟
أما زياد الهاني الذي حاضر حول «دور وسائل الإعلام في التصدي للعنف» فإنه حاد في الكثير من المواضع عن ذلك وأكّد في مداخلته موقفه المعارض لحركة النهضة قائلا «سأذكر بالاسم الطرف الذي يريد السيطرة على الإعلام هو حزب حركة النهضة الذي يستعين بميليشياته أو ما يسمى بلجان حماية الثورة.
وأكد الهاني ضرورة توفر شرطين أساسيين لمعافاة الإعلام وهما الحرية والنصوص التشريعية، معتبرا أن تصدي الإعلام للعنف يكون عبر عاملين وهما التحفيز عن طريق المناعة الفردية والمحافظة على هيبة المؤسسات داعيا إلى ضرورة ترشيد الممارسة الإعلامية بتفعيل الهيئات التعديلية ومعتبرا أن الإعلام بدوره يعيش مرحلة انتقالية.