استمرت صفحات كثيرة مقرّبة من النهضة وأنصار ثلاثي الحكم في مهاجمة الباجي قايد السبسي ومبادرته السياسية «نداء تونس» واعتبرها خصومه أشبه بانقلاب على الثورة بما أنها سمحت بعودة التجمعيين، فيما رأى فيها أنصاره مشروعا جادا لإقامة التوازن السياسي في مواجهة النهضة. انقسم التونسيون بوضوح حول مبادرة الباجي قايد السبسي، لكنه لم يكن انقساما إيديولوجيا كما جرت العادة في الصفحات التونسية، حيث يتجمع اليسار والمعارضة والنقابات في صف واحد ضد النهضة وحلفائها، لأننا قرأنا في عدة صفحات يسارية جادة هجوما عدائيا ضد السيد قايد السبسي ومن تحالف معه في مبادرة «نداء تونس»، ومن أطرف ما تم تداوله في هذا المجال، عبارة أطلقها ناشط يساري له تاريخ طويل في النضال الجامعي جاء فيها: «الحاجة الوحيدة الباهية إلي عملها السبسي أخرج التجمعيين من جحورهم، نقطة وارجع للسطر»، وكتبت صديقة له تعليقا لقي مساندة كبيرة من عدة ناشطين خصوصا من الشباب: «لسنا في حاجة لا إلى الباجي وأتباعه ولا إلى النهضة وسلفييها، حاجتنا إلى الثوار والأحرار الذين ينتصرون للكادحين والجائعين والعاطلين، لا إلى تجار سياسة أو دين».
غير أن لمبادرة «نداء تونس» الكثير من الأنصار في الصفحات التونسية، التي ترى فيها مشروعا سياسيا يمكن أن يواجه مشروع النهضة ويواجه خصوصا مخاطر الدولة الدينية وتوسع النشاطات السلفية على حساب الحقوق والقيم المدنية للدولة. يكتب ناشط حقوقي مفتخرا بهذه المبادرة: «السبسي زعيم يتقدم أكثر من 52 حزبا و500 جمعية وعشرات الآلاف من الأنصار من المجتمع المدني، هذا مشروع حقيقي لمستقبل تونس من الكفاءات في دولة مدنية».
وحظي موضوع عودة التجمعيين في نداء قايد السبسي بالكثير من التعاليق، لكن أنصاره يهاجمون أنصار النهضة بالتذكير بأن الحكومة قد انتدبت الكثير من التجمعيين في صفوفها، كتبت ناشطة من المعارضة: «جماعة النهضة يقسمون التجمعيين إلى نوعين: الأول هو التجمعي النظيف الذي يطلق لحيته ويحافظ على الصلوات في مكان العمل وهذا مرحبا به، والثاني هو الذي لا يصلي معهم أو يختلف معهم في الرأي وهذا يجب تشريده ومنعه من النشاط».
ويكتب ناشط محايد عن حماس الكثير من مناضلي اليسار لمبادرة قايد السبسي: «كره بعض عناصر المعارضة لحركة النهضة وللسلفيين يدفعهم إلى الوقوع في خطإ جسيم، أي التحالف مع قايد السبسي وبقايا نظام بن علي، لاعتقادهم أنه سوف يقاتل النهضة بدلا عنهم».
غير أن أعداء مبادرة السبسي أكثر من أنصارها في الصفحات التونسية، حيث يرى فيه الجيل الجديد من الناشطين شيخا متقدما جدا في السن، لا علاقة له بطموحات الشباب، مثلما كتب طالب بجامعة تونس: «الباجي حياته وراءه ونحن لم نعش حياتنا بعد».
ومن خلال عشرات الصفحات التونسية من توجهات سياسية وفكرية مختلفة، نلاحظ أن تقدم السيد الباجي قايد السبسي في السن، والتحاق الكثير من وجوه النظام القديم به هما أهم ما يرفضه شباب الصفحات التونسية. كما يتم تداول تحاليل سياسية رصينة تشكك في جدوى وأهمية هذه المبادرة، مثل تحليل مطول تم نشره في العديد من الصفحات جاء فيه: «إن الرّهان على رجل ناهز التسعين من العمر يعتبر خيبة كبيرة وصفعة للشّباب الذي ينبغي أن تعهد إليه مهة أخذ جانب من المسؤولية في بناء تونس الغد.
الشباب هم من قام بالثورة وخلصنا من جبروت واستبداد النظام القديم فكيف نعتمد على رجالات النظام السابق وعلى من تقلد مناصب قيادية وحزبية في عهد بن علي وتميز حكمه بتعطيل سير المحاكمات السياسية ومحاسبة المسؤولين عن الفساد والمحسوبية ودافع عن مصالحه الشخصية على حساب المصلحة الوطنية؟ الباجي قايد السبسي ليس رجل المرحلة المقبلة ولا أرى أنه شخص يحوز على ثقة التونسيين اليوم، ويجب أن نجد في أفراد المجتمع المدني من يتحمل مسؤولية البناء الجديد لتونس».
أما الشباب الذي لا يحسن كتابة التحاليل المعمقة، فقد تداولوا يوم أمس سؤالا ساخرا جاء فيه: «إن شاء الله يعرف كوعه من بوعه»، في تذكير بكلمة الباجي قايد السبسي أيام كان وزيرا أول.