اكتسح «الجنس اللطيف» في تونس عالم الأعمال الشاقة فبعد قطاع الفلاحة دخلت المرأة حضائر البناء وهو ما تم رصده مؤخرا في بعض الأحياء الشعبية بالعاصمة وفي أرياف بنزرت وبعض الجهات الداخلية الاخرى منها القصرين وسيدي بوزيد. فهل يعود عمل المرأة في قطاع البناء المعروف بأنه يتطلب مجهودا بدنيا كبيرا الى نقص في اليد العاملة أم لعزوف الرجال بعد الثورة عن النشاط في هذه المهن الصعبة أم لهجرة هذه الفئة من العمال الى القطر الليبي للعمل هناك؟
في الحقيقة العمل الشاق ليس جديدا على المرأة التي أصبحت تنقذ المواسم الفلاحية في السنوات الأخيرة لكن العمل في مجال البناء مازال حديثا في تونس بالنسبة الى النساء. «الشروق» تحدثت الى وزيرة المرأة سهام بادي عن هذه الظاهرة. فذكرت الوزيرة ان موازين المجتمع التونسي بدأت تتغير فالمرأة بحكمتها تجتهد وتدرس كما تسعى لتوفير لقمة العيش لأبنائها وأسرتها. وأضافت ان 60٪ من العاطلين من حاملي الشهائد العليا من النساء. و100٪ من الحاصلات على الدكتورا من المدرسة العليا للدراسات التجارية بقرطاج فتيات و75٪ من الناشطين في الصناعات التقليدية من النساء... مما يعني أن المرأة ماضية في تحقيق النجاحات ولقمة العيش الشريف. لكن نتيجة استقالة جزء من الرجال وعزوفهم عن العمل في القطاعين الفلاحي والبناء وبعض الحرف وارتياد نسبة هامة منهم للمقاهي طيلة اليوم توجهت النساء للعمل في هذه القطاعات الصعبة حسب ما ذكرته وزيرة المرأة وأضافت ان هذه العقلية لابد من ان تتغير فقيمة العمل لدى المرأة لم تتغير لكن عند الرجال تم رصد تواكل مزعج بل مخجل فإما أن يعمل البعض منهم كمدير أو موظف ام إنه يعزف عن العمل وهذه العقلية لابد من مقاومتها وتغييرها بوعي جديد حسب الوزيرة وأضافت ان الأجور في الحضائر تتراوح بين 25 دينارا لليوم بالنسبة لليد العاملة غير المؤهلة و50 دينارا للمؤهلة وهو أجر محترم. لكن المؤسف ان النساء العاملات في هذا المجال يتم غبنهن مرتين، الاولى باستغلال حاجتهن للمال وتوظيفهن في هذه المهن الشاقة والثانية بعدم تمكينهن من نفس أجر الرجل اذ مازالت المرأة تؤجر بأجر أقل من الرجل في هذه المجالات (فلاحة وبناء...) وتضيف الوزيرة أن الحيف المسلط على هؤلاء النسوة مضاعف ايضا لأنهن يتحملن ايضا أعباء المنزل.
في المقاهي
سألنا الوزيرة عما اذا كانت هجرة اليد العاملة الى ليبيا وراء نقص العمالة في مجال البناء خاصة أن 40٪ من العاملين في ليبيا في السابق عادوا اليها مؤخرا فأجابت بالنفي وأضافت من يقوم بجولة على المقاهي يرى جحافل العاطلين الذين انخرطوا في لعب الورق طيلة اليوم والذين يفضلون البطالة على العمل الكريم. وهو ما يلاحظه اي تونسي دون جهد يذكر. فاستقالة بعض الرجال من القيام بواجبهم وراء اكتساح النساء للأعمال الشاقة.
دور وزارة المرأة
سألنا وزيرة المرأة عن التقديرات المتعلقة بعمل المرأة في مجال البناء فذكرت أنه من الصعب تحديد الرقم باعتبار ان هذا القطاع خاص وجلّ العاملين به لا تشملهم تغطية اجتماعية أو صحية يمكن حصر أعدادهم من خلالها، لكنها لم تستبعد ان تشرف الوزارة على إعداد دراسة خاصة بهذه الظاهرة.
وعن دور وزارة المرأة لاحتواء هذه الظاهرة ذكرت وزيرة المرأة انها تتحدث باسم كل هؤلاء النسوة وتمثلهن بل تعتبر أنها لسان الدفاع عنهن لتمكينهن من حقوقهن ومن اجرهن كاملا وذلك بالتنسيق مع الوزارات المعنية منها وزارة التشغيل والفلاحة والصناعات التقليدية والتنمية وذلك حرصا من الوزارة على تمكين هذه الفئة من النساء من حقوقهن كاملة سواء في التغطية الاجتماعية او الأجر أو في خصوص تقسيم أعباء المنزل بين كل أطراف الأسرة واحترام مفهوم العمل وذلك بالتنسيق مع المجتمع المدني والإعلام.
بلد ال800 ألف عاطل
والملاحظ انه رغم وجود ما يناهز 800 ألف عاطل في تونس تعرف البلاد نقصا في العمالة يناهز 120 ألف يد عاملة في 6 قطاعات أهمها الفلاحة والبناء مما جعل عديد الأصوات تنادي باستيراد يد عاملة وذلك قصد تسليم المشاريع المتعلقة بالبنايات في آجالها.
يأتي هذا النقص رغم ترفيع الدولة في الأجر الأدنى المضمون وارتفاع أجور العاملين في مجالات البناء والفلاحة بشكل لم تشهده تونس من قبل فهل تنقذ نساء تونس المشاريع والبنايات كما أنقذن عدة مواسم فلاحية أمام استقالة العديد من اليد العاملة الرجالية بعد الثورة؟