تأهّل الروائيّ التونسيّ حسين الواد ضمن القائمة القصيرة المتكوّنة من ستّة روائيّين للتنافُس على الجائزة العالمية للرواية العربية ال«بوكر» لعام 2013 عن روايته «سعادته السيّد الوزير» الصادرة عن دار الجنوب سلسلة عيون المعاصرة. وقد تمّ اختيار هذه الروايات الستّ من بين 133 عملاً من 15 دولة. وسيتمّ تحديد الفائز النهائيّ بعد أربعة أشهر في الإمارات. يقدّم لنا حسين الواد في روايته «سعادته السيّد الوزير» رحلةً أخّاذة في عمقِ منظومة الفساد والاستبداد من خلال تجربة رجل عاديّ بكلّ ما تعنيه هذه العبارة من أوجاع وأطماع وضعف بشريّ، يجد نفسه فجأةً في منصب الوزارة، ثمّ يفقد هذا المنصب ويُصبح «منشفة» يمسح فيها أهل الحلّ والعقد ذنوبهم وأوساخهم، فيقدّم مرافعة مفصّلة دفاعًا عن نفسه.
من هذه المرافعة استنبط الكاتب بنية الرواية وحيل السرد وانطلاقًا منها بنى أسلوبه المشوّق وأطلق العنان للغته المتينة المرنة في الوقت نفسه والجادّة الساخرة بالقدر نفسه والفصيحة القادرة على التقاط روح العاميّة بسلاسة أصبحت من خصائص الروائيّ حسين الواد. ممّا أعطانا عملاً ملتصقًا ببيئته قادرًا في الوقت نفسه على شدّ قارئه حيثما كان.
وإذا كنت أحثّ قرّائي على طلب الرواية مكتفيًا بهذا التقديم المختزل فلأنّ قصدي من هذه البطاقة أن أتوقّف عند ظاهرة احتشامنا عمومًا في الاحتفاء بمثل هذه المناسبات.
تمنّيت أن يكون لترشيح هذه الرواية إلى الفوز بجائزة البوكر موقع في فضاءاتنا الإعلاميّة أكبر ممّا كان.. وتمنّيت أن يحتفي كُتّابُ بلادي بزميلهم وبروايته أكثر ممّا فعلوا، على غرار الصديق الروائيّ كمال الرياحي الذي وظّف كلّ ما لديه من طاقة وفضاءات إعلاميّة وثقافيّة في سبيل التعريف برواية زميله والتعريف بها وحثّ القرّاء على طلبها من المكتبات.
تمنّيت أن يكون الاحتفاء بتتويج هذه الرواية أعلى صوتًا وأوسع دائرةً لا لشيء إلاّ لأنّ من شأن مثل هذا الاحتفاء أن يضع الأدب التونسيّ في قلب دائرة الضوء ولو لأشهُرٍ أو لأسابيع أو لأيّام معدودة، ممّا قد يتيح للقارئ التونسيّ الغائب أن ينتبه إلى كتابه التونسيّ المُغيّب.
تلك هي أهمّ مزايا مثل هذه الجوائز مهما كانت المآخذ التي لم تنج منها حتى جائزة البوكر على الرغم من حداثة عهدها بالساحة, وقد ذهب الأمر بأحد الكتّاب العرب الى حدَّ القول إنّ هذه الجائزة دليل آخر على أنّ «المال العربي غير صالح لبناء ثقافة عربيّة نظيفة لأنه غير نظيف أصلا» وعلى أنّ «المثقف العربي غير قادر على تسيير المال في الثقافة حتى لو كان هذا المال نظيفا لأنه مثقّف مشوّه من الداخل وانتهازيّ أيضا بامتياز».
الطريف في الأمر أنّ صاحب هذا الرأي ظهر بروايةٍ ضمن القائمة الطويلة لهذه الدورة! ولا أظنّه كان عاجزًا عن منع ناشره من ترشيح روايته لو ظلّ عند رأيه في هذه الجائزة! والأرجح أنّه انتبه إلى ما في كلامه من تعميم مشطّ على الرغم من طرحه مسألة تستحقّ النقاش فعلاً، هي مسألة علاقة المال بالثقافة.
ليس من جائزة أدبيّة في العالم إلاّ وهي مثار أسئلة تتعلّق بطبيعة مكوّناتها ومصادر تمويلها وحقيقة أهدافها بدايةً من جائزة غونكور وصولاً إلى جائزة نوبل. ونادرًا ما أُعلِن عن لجنة تحكيم دون أن تُصاحبها جوقة من الانتقاد والجدل والتشكيك. ومن الصعب أن تُرضي النتائجُ الجميع. وهي أمور طبيعيّة بل ضروريّة أحيانًا باعتبارها جزءًا من اللعبة نفسها.
أيًّا كان الأمر فقد ظلّت هذه الجائزة تحفر مجراها من دورة إلى أخرى. وسرعان ما أصبحت قادرةً على تحريك المنظومة المعنيّة بالكتاب ككلّ. وهو نجاح يُحسَب لها مهما كانت الهنات التي لابدّ من تلافيها. ولعلّها الجائزة الأدبيّة العربيّة الوحيدة التي أصبح الإعلان عن قائمتيها الطويلة ثمّ القصيرة كفيلاً بتوزيع الأعمال المعنيّة في طبعتين وثلاث طبعات، إضافةً إلى ترجمة هذه الروايات إلى أكثر من لغة.
يعرف الجميع طبعًا أنّ هذه المسابقات ليست تقييمًا للتجارب، بل هي نتيجة لقاء ذائقة مُعيّنة بأعمال مُعيّنة في لحظة معيّنة، وقد تتغيّر النتائج بتغيُّر لجان التحكيم. لذلك تمنّيت أن يتحوّل ظهور رواية حسين الواد ضمن القائمة القصيرة إلى حدث يشارك فيه الجميع، لا لشيء إلاّ لأنّ نجاح هذه الرواية دليل آخر على حيويّة الرواية التونسيّة وتجدُّد أسمائها، ولا لشيء إلاّ لأنّها رواية تونسيّة، ولا لشيء إلاّ لأنّ الاحتفاء بها هو احتفاء بالرواية التونسيّة وبالكتاب التونسيّ ككلّ.