استطاعت جائزة بوكر العربية، رغم حداثة عهدها، أن تحرّك سواكن النشر في كثير من الدول العربية، وذلك بترشيح بعض الروايات التي نشرتها من جهة والسعي إلى استمالة بعض الكتاب الآخرين لنشر آخر أعمالهم الروائية. وليس ذلك إلا من أجل الوصول إلى شرف نيل هذه الجائزة الهامة التي تضاهي في قيمتها البوكر الأنقليزية إضافة إلى الغنم المادي الذي يذهب إلى الكاتب كما يذهب إلى الناشر على شكل عقود ترجمة للغات أجنبية وطبع الكتاب طبعات عديدة. الناشر العربي الذي ما يزال يعامل الكاتب بشكل غير لائق بما في ذلك أشكال الاستغلال المختلفة التي تبدأ من عدم احترام المواصفات النشرية وتصل إلى عدم منح الكاتب حقّه المادي، بل إن كثيرا من أصحاب دور النشر يعمدون إلى تسلم مبلغ مالي من الكاتب، خاصة إذا كان مبتدئا، مساهمة منه في النشر. دون أن ننسى في المقابل عدم إيفاء الناشر بواجبه تجاه الكتاب أعني توزيعه والسهر على التعريف به داخل البلاد وخارجها. التأثير الإيجابي جائزة بوكر للرواية العربية، بمغرياتها العديدة، بدأت تؤثر إيجابيا في مكانة الكاتب وفي رد الاعتبار إليه وهو ما غيّر بعض الشيء في هذه العلاقة الملتبسة بين الناشر والكاتب، وقد شهدنا كيف تنافست أكثر من دار نشر عربية على الفوز بمرتبة في سباق الوصول إلى التصنيف النهائي للجائزة ولو بالقائمة القصيرة، ورأينا في المقابل كيف حظيت رواية «عزازيل» أو «جوع» أو «روائح ماري كلار» بإقبال كبير على اقتناء نسخها في طبعاتها المختلفة. وكأني بالقارئ العربي يحتاج إلى مثل هذه الجوائز التي تصنع نجوما في عالم الأدب وتسوّق لإنتاجاتهم وهذا رغم ما يمكن أن يقال عنه إيجابي إلى حد بعيد. ولسائل أن يسأل، ماهو حظ الرواية التونسية من جائزة بوكر العربية؟ المشاركات التونسية لا حظّ لها. والسبب، حسب رأيي، يعود إلى نوم الناشرين التونسيين، «النوم في العسل» كما يقال. وعدم تفكيرهم في مثل هذه المشاركات التي قد ترفع من شأن الكاتب وبالتالي تقلّل من قيمة الناشر وهو اعتقاد خاطئ ينمّ عن سوء تقدير مادي وأدبي. لم تشارك في جائزة بوكر العربية أي دار نشر تونسية باعتبار أن أغلب دور النشر العربية تقوم بنشر قائمة الروايات التي شاركت بها في هذه الجائزة وتجنّد من أجل ضمان أكبر قدر ممكن من فرص الفوز للأقلام النقدية والصحفية للكتابة عن هذه الروايات ولكن دور النشر التونسية لم تحرّك ساكنا. الرواية التونسية الوحيدة التي وصلت إلى القائمة القصيرة في تصنيف الجائزة هي رواية: «روائح ماري كلار» للحبيب السالمي. ولكنها لم تصدر في تونس، بل في بيروت عن دار «الآداب» ووصولها إلى هذه القائمة يعتبر فوزا لها وتشريفا واعترافا بقيمتها الأدبية العالمية. أصبح الناشر التونسي الذي استطاع بما تمنحه له الدولة من حوافز وتشجيعات وما تقتنيه منه من كميات كبيرة من المؤلفات التي ينشرها وما توفره له من تسهيلات عند المشاركة في المعارض الدولية، مكتفيا بما يجنيه من جهد الكتّاب والشعراء وما يغنمه من وراء استغلالهم استغلالا فاحشا أحيانا. ولا يهمه إن اشتهرت تلك الرواية أو تلك المجموعة الشعرية لذلك ينام نوما هانئا. ولكن من حق الروائي التونسي أن يشارك في مثل هذه الجائزة الكبيرة لا سيما أن مستوى روايتنا جيد جدا بالمقارنة مع أغلب الروايات المشاركة والفائزة أيضا. ولكن الناشر هو الذي له الحق وحده في أن يقدّم طلب المشاركة ولا يحق للكاتب ترشيح عمله بنفسه. لذا لا بد من أن يستفيق الناشر التونسي من حين إلى آخر ليهتم بهذا الواجب تجاه كاتبه والذي سيعود عليه هو أولا بالفائدة في صورة فوز إحدي الروايات المشاركة...