لجأت مجموعة من الشبان في تالة الى خياطة افواههم والصوم عن الكلام والطعام في حركة رمزية احتجاجية ضد صمت السلطة وتجاهلها لمطالب وتطلعات ابناء المنطقة في التنمية والتشغيل . الشبان خاطوا افواههم واعتصموا في خيمة اقاموها أمام معهد ابن شرف وقرب مركز الشرطة بل وقاموا باحتجاز سيارات ادارية وهددوا بحرقها ان لم يزرهم وفد من الحكومة ولاقى اعتصام هؤلاء الشبان مساندة قوية من قبل اهالي الجهة الذين يرون في استمرار التهميش واستفحال البطالة وتردي الاوضاع الاجتماعية للناس وغياب مؤشرات تنمية حقيقية هذا ويأتي اعتصام الشبان في اطار سلسلة من الاحتجاجات تشهدها تالة منذ 8 جانفي 2013 واشتدت وتيرتها في الايام الاخيرة على اثر ما اعتبره الاهالي تجاهلا لدور الجهة في الثورة من قبل السلطة والمعارضة على حد السواء عندما لم يكلف احد - سلطة او معارضة- نفسه زيارة تالة بمناسبة احياء المدينة لذكرى يوم الشهيد.
«الشروق» زارت المعتصمين وحاولت استقصاء الاسباب التي دفعتهم الى خياطة افواههم واختيار هذه الطريقة للاحتجاج في حوارنا معهم ومع الشباب المحيطين بهم اكتشفنا حجم المأساة التي تغرق فيها حياة الناس في تالة فلكل منهم قصة عذاب ومعاناة .
فقر ومعاناة
فتحي الرطيبي (35 سنة) متزوج رب اسرة كثيرة العدد يعاني من امراض مزمنة بما يجعله عاجزا عن اعالتها قضى فترة طويلة بالسجن ظلما بسبب تهم ملفقة بحيازة مخدرات ويضيف بانه خرج من سجن صغير الى سجن كبير : سجن التهميش والفقر والفاقة . ويضيف بانه حاول الحصول على شغل يحفظ به كرامته وكرامة عائلته لكن دون جدوى مؤكدا ان سياسة اللامبالاة هي نفسها وان الكلام لم يعد يجدي وهو ما يبرر لجوءه الى خياطة فمه . شعور اليأس من قدرة الكلام على الايفاء بالمعنى وقدرة الالفاظ على التعبير عن المعاناة التي يعيشها الشباب في تالة يتجلى ايضا لدى الشاب محمد نعيم رطيبي الذي رفضت الحياة ان تنصفه حتى بعد ان تحررت تونس من براثن الديكتاتورية كما يقول . فقد بدأت رحلة عذابه مبكرا رغم صغر سنه : اسرة كثيرة العدد يتوفى والده تاركا وراءه صغارا بلا راع وبلا معين غير الله . وعندما التحق محمد نعيم بسلك الجيش في خطة رقيب اعتقد ان الحياة قررت اخيرا ان تنصفه وتنصف اسرته لكن سعادته لم تدم غير 3 اشهر عندما وقع طرده من عمله بالجيش بتهمة غير واضحة . يقول محمد نعيم بانه مثل كل شباب تالة ساهم في اسقاط بن علي وفرح مثلهم بانتصار الثورة التي راهنوا عليها لتحقيق تطلعاتهم في الكرامة والشغل وقد تفاءل بإمكانية ارجاعه الى عمله لكن كل محاولاته باءت بالفشل بما ان لا احد استمع اليه . ويضيف بان اليأس اخذ منه مأخذا فقد معه كل امل في ان تتحسن احواله وهو ما فسر رغبته في الموت كحل اخير لحياة بلا معنى .
رفيق خليفي (30 سنة) له تقريبا نفس القصة مع المعاناة وقد حاول مرارا الانتحار ليضع حدا لحياة الشقاء والفقر والضياع وهو شاب متزوج وله ابنة في عمر الزهور بذل كل ما في وسعه لإيجاد مورد رزق قار ومسكن قار يحرران اسرته من المهانة نتيجة ما يحسه من ذل لأنه لم يعد يحتمل ان يثقل كاهل الاقارب في السكن والغذاء ويؤكد رفيق انه تعب من وعود السلط المحلية بتقديم العون ولم يعد يأمل في ان تتحسن احواله واصبح يفضل الموت على ان يعيش عالة هو واسرته على غيره، محمد علي المرواني (29 سنة) شاب فقد والديه مبكرا وتركاه اسيرا للضياع لا يجد مأوى يأوي اليه ولا مورد عيش يقتات منه وكغيره من شباب تالة الثائر اعتقد ان الثورة ستغير مجرى حياته فتتحقق كل احلامه لكنه اصطدم كغيره بواقع الصمت و«الحقرة» فلم يجد حلا غير ان يخيط فمه احتجاجا على صمت الحكومة وفي قلبه غصة الالم والشعور بالمهانة .
يجب ان نشير الى ان اعتصام المجموعة يلاقي مساندة من قبل شباب تالة الغاضب من استمرار حالة التهميش في الجهة وقد التقت بهم الشروق في موقع الاعتصام .
الشاب حلمي السائحي عاطل عن العمل يعبر عن غضبه الشديد من تجاهل السلط لمطالب المعتصمين ويستغرب من عدم تكليف المسؤولين أنفسهم عناء الاتصال بالمعتصمين والاستماع الى مطالبهم .
حلمي لا يحمل المسؤولية فيما الت اليه اوضاع تالة الى الحكومة فقط بل ايضا يوجه لوما الى المعارضة بأصنافها التي لم تتبنى مطالب الجهة ولم تساند شباب تالة الذين لولا ثورتهم وصمودهم ما تحررت تونس من الديكتاتورية . ويضيف حلمي بان هدف الاعتصام لا يقتصر فقط على مطالب المجموعة التي خاطت افواهها بل يتعداها الى مطالب جهة بأكملها ويلخصها في مطالب التنمية والتشغيل والمطالبة بوفد وزاري يزور المنطقة للاستماع الى انشغالات الاهالي ويشدد المعتصمون على ضرورة ان تفي الحكومة بتعهداتها تجاه تالة والتخلي عن الوعود الوهمية التي تربط التنمية في الجهة بالاستثمار الخاص .
ويؤكدون بان اثبات حسن النية ازاء تالة يكمن في التزام الدولة بالتدخل الاستثنائي بالجهة لتسريع حزمة المشاريع المبرمجة وتوفير مواطن الشغل .
هذا وقد صرح كل من استجوبناهم من المعتصمين بان الاعتصام سيظل مفتوحا وان نيتهم تتجه في وقت لاحق الى تنظيم اعتصام بأكثر كثافة في القصبة بتونس العاصمة هذا وقد تدهورت حال بعض المعتصمين مما استوجب نقلهم الى المستشفى المحلي بالمكان .
وقد علمت الشروق من مصادر موثوقة بان هناك نية لتنظيم لقاء بين وفد من المعتصمين واطراف حكومية تحت اشراف جهات قريبة من الحكومة